ليست القهوة مجرد مشروبٍ لذيذ رغم مرارته؛ فقد ارتبطت بتقاليدنا ودخلت في وعينا ولاوعينا، حتى بات تأثيرها نفسياً قبل كل شيء، ولعلّ كثيرين منا لا يتخيّلون كيف يمكن أن تمضي نهاراتهم من دونها.
وإذا كنتَ شغوفاً بالقهوة، وتعتمد على الكافيين لتُنجز أعمالك ومهامك اليومية، فاطمئن: أنت لستَ وحدك. فهناك أدلة دامغة على أن هذا المشروب السحري يعزز التركيز ويزيد من الطاقة والنشاط، بفضل الكافيين الموجود فيها.
لكن، هل تعلم أن شرب القهوة قبل أخذ قيلولة يمكن أن يفعل المعجزات؟
نعم عزيزي القارئ، وهذه ليست مبالغة. سيفاجئك تأثير "قيلولة القهوة" على عقلك، وكيف أنها قد تكون الحلّ السحري لاستعادة نشاطك بعد ليلةٍ غير هانئة، أو خلال يومٍ تشعر خلاله بالتعب والنعاس.
ما الذي يحتويه فنجان السعادة؟
تُعتبر القهوة المصدر الأكثر وفرة بالكافيين في نظامنا الغذائي. والكافيين، تلك المادة الكيميائية المُرة التي توجد في أكثر من 60 نباتاً -بما فيها أوراق الشاي ومكسرات الكولا-، هي التي تمنح القهوة آثارها المنشطة.
ويحتوي كوب القهوة الواحد العادي (بحجم 227غ) على 95 ملليغراماً من الكافيين، لكن معظمنا على الأغلب يستهلك كوبين أو أكثر من القهوة، ما يعني ضعف كمية الكافيين هذه.
ووفقاً لدراسة أجرتها المكتبة الوطنية الأمريكية للطب (NIH) عام 2018، فإن متوسط استهلاك البالغين الأمريكيين للكافيين يبلغ حوالي 200 ملليغرام يومياً (وأكثر أحياناً)، ما يؤكد الفرضية أعلاه. وهي كمية كافية لزيادة انتباهك وتحسين تركيزك وشحذ نشاطك.
يصل الكافيين إلى ذروته في الدم بعد ساعة واحدة من شرب القهوة، وبأقل تقدير 45 دقيقة، ولكن آثاره تبقى في الجسم لفترةٍ أطول مما تظن.
فالعمر النصفي للكافيين، أي مقدار الوقت الذي ينخفض خلاله تركيز الكافيين في الجسم إلى النصف، يتراوح بين 4 و6 ساعات تقريباً. لكنه قد يصل إلى 9 ساعات لدى بعض الأفراد، لأن التمثيل الغذائي للكافيين يختلف بين جسم وآخر.
وإلى جانب تحفيز جهازك العصبي، ما ينتج عنه البقاء مستيقظاً والإمداد بالطاقة، يعمل الكافيين أيضاً مدراً للبول. وعن طريق زيادة التبول، فإنه يساعد جسمك على التخلص من الماء الزائد والملح.
لكن نظراً لأن الإفراط في تناوله يمكن أن يرفع ضغط الدم ويزيد من حموضة معدتك، فلا يُنصَح بشرب الكثير من القهوة.
ووفقاً لإدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA)، يمكن للبالغين الأصحاء -الذين لا يعانون من مشكلات في القلب- استهلاك 400ملغ من الكافيين، ما مقداره نحو 4 أكواب من القهوة، كحدٍّ أقصى يومياً.
لكن ما هي قيلولة القهوة، وكيف يمكن النوم بعد تناول الكافيين؟
النظرية العلمية وراء قيلولة القهوة
من المتعارف عليه أن القيلولة أثناء النهار هي قيلولة استعادة النشاط، وهي فترة نوم قصيرة لا يجب خلالها أن نغرق في نومٍ عميق، بمعنى علمي أدق: لا يجب أن نُكمل دورة نومٍ كاملة.
فالقيلولة عموماً يجب ألا تتعدى الـ30 دقيقة كحدٍّ أقصى، على أن تتراوح بين 10 إلى 30 دقيقة؛ مع الإشارة إلى أن القيلولة المثالية مدتها 20 دقيقة، وفق موقع Cleveland Clinic الأمريكي.
من شأن هذه الدقائق الـ20 ألا تشعرك بالخمول عند الاستيقاظ، عكس النوم لفترةٍ أطول، لأنها تنتهي قبل أن تُكمل دورة نوم كاملة. وعلى العكس من ذلك، فإن قيلولة سريعة في منتصف النهار يمكنها أن تشعرك بالانتعاش والنشاط.
إضافةً إلى أن للقيلولة تأثيراً إيجابياً على عقلنا، فهي تحسّن حالتنا المزاجية، وقدرتنا على التركيز والانتباه والإبقاء يقظين. لكن كيف يُعتبر شرب القهوة، قبل أخذ قيلولة سريعة، فكرة جيدة؟
وفقاً لموقع Sleep Foundation، فإن الكافيين الموجود في القهوة يُبقيك مستيقظاً عن طريق إبطال مفعول الأدينوزين، وهي مادة كيميائية في الدماغ تعزز النعاس. توقف جزيئات الكافيين عمل الأدينوزين، عن طريق الارتباط بالمستقبلات نفسها في دماغنا.
لا بدّ أنك تسأل نفسك الآن: حسناً، ألا يعني ذلك أن شرب فنجانٍ من القهوة قبل القيلولة فكرة سيئة؟
عملياً، نعم.. لكن الأدينوزين يتراكم تدريجياً في دماغنا على مدار اليوم، ويؤدي إلى شعورنا بالنعاس مع تقدّم اليوم، ثم يتخلص منه جسمنا في الليل خلال النوم.
وقد تبيّن أنه، حين تكون تعباً خلال النهار أو محروماً من النوم قبل ليلة، فإن مستويات الأدينوزين في الدماغ الأمامي القاعدي -وهي منطقة دماغية مهمة للنوم واليقظة- تزداد بسرعة. وهذا يعني أن الأدينوزين يتحكم بالكامل في مستقبلات الدماغ.
وهنا يأتي دور قيلولة القهوة السحرية. عندما تتناول القهوة ثم تأخذ قيلولة سريعة، فإن الكافيين يقلل من تراكم مستويات الأدينوزين في الدماغ، ويتمكن من منافسة الأدينوزين على الارتباط بمستقبلات الدماغ المفتوحة.
لكن، كيف يمكن أن تنام بعد القهوة؟ يستغرق الكافيين نحو 45 دقيقة أو ساعة، للوصول إلى مستويات الذروة في الدم، ما يعني أنه لديك ما يكفي من الوقت لأخذ قيلولة قوية يمكن أن تؤدي مهمتها.
فالكافيين مع قيلولة قصيرة يمنحانك دفعةً من الطاقة ستحتاج إليها، لو أن نهارك متعب أو لم تنم جيداً في الليلة السابقة، ما يزيد من يقظتك ويجعل عقلك أكثر انتباهاً وتركيزاً.
كيف تصبح قيلولة القهوة أكثر فعالية؟
أفادت دراسة نُشرت في مجلة Ergonomics عام 2007 أن المشاركين الذين تناولوا الكافيين بعد 24 ساعة من قلة النوم، ثم سُمِح لهم بأخذ قيلولة، حافظوا على مستوى يقظة قريب من المستوى الأساسي.
وقد قارنوا أداءهم بأداء المشاركين، الذين أخذوا قيلولة سريعة من دون تناول الكافيين، ليتبيّن أنه كان أفضل في جميع الاختبارات العقلية التي خضعوا لها. لذا، وبالنسبة للأشخاص الذين يعملون في نوبات صباحية، فإن فترة ما بعد الغداء مثالية للجمع بين قيلولة سريعة وتناول القهوة.
إضافة إلى ذلك، توفر قيلولة القهوة فوائد للرياضيين الذين يخضعون لتدريباتٍ مكثفة وقلما ينامون. فالجمع بين الكافيين وقيلولة ما بعد الغداء يعزز نشاط الرياضيين وتركيزهم، بعد الحرمان من النوم.
لكي تحصل على الفوائد المرجوة من قيلولة القهوة، فالتوقيت والتسلسل هما مفتاح النجاح. وفيما يلي بعض النصائح لقيلولة قهوة فعالة:
تناول غداءك أولاً؛ فكما أوضحت دراسات متعددة، لن تكون قيلولة القهوة مفيدة إلا عند أخذها بعد الغداء.
تناول فنجان قهوة عادياً أو جرعتين من الإسبريسو، فالهدف هو استهلاك 200ملغ من الكافيين، لذا احصل على كوب من القهوة لا يتعدى 340 غراماً، أو إسبريسو مزدوج.
اشرب قهوتك بسرعة، لأنك بحاجة إلى النوم قبل بدء مفعول الكافيين. ويمكنك اختيار القهوة المثلجة، إذا كنت لا تستطيع تناول المشروبات الساخنة بسرعة.
اضبط المنبه لمدة 20 دقيقة فقط، واترك هاتفك جانباً كي تنام أسرع. لا بأس إذا لم تنَم فوراً بعد شرب القهوة، فقط أغلق عينيك واسترخِ، ولا تقلق؛ فحتى حالة الغفو مع عدم النوم فعالة.