ولي العهد يهنئ بعيد الأم الجمعية الأردنية للبحث العلمي تهنئ جلالة الملك بمناسبة ذكرى معركة الكرامة الصفدي بذكرى الكرامة: خلف سيد البلاد أقوياء لا تنال من صلابتنا أوهام الطامعين حالة الطقس المتوقعة لاربعة ايام مهند أبو فلاح يكتب:" تفاوض تحت النيران " مهند أبو فلاح يكتب :" تفاوض تحت النيران " بيان من جمعيه أطباء القلب الاردنيه (JCS). انس الطنطاوي يكتب:الأردن يسطر التاريخ في معركة الكرامة رئيس الوزراء يستذكر أبطال معركة الكرامة ويهنئ بيوم الأم الاحتلال يعرقل وصول آلاف المصلين إلى الأقصى للجمعة الثالثة من رمضان الحنيطي يعلن سداد مستحقات شكاوى لاعبي الفيصلي الملك: في ذكرى معركة الكرامة نقف إجلالا للجيش العربي المصطفوي كتاب استقالة د. ريما خلف رسالة من والد شهيد إلى أمهات الشهداء في عيد الأم. ولي العهد: والكثير من العزم .. يوم الكرامة 21 آذار د. حازم قشوع يكتب :الام وكرامة الأمة ؛ وفيات الجمعة 21-3-2025 أجواء باردة وماطرة اليوم وارتفاع تدريجي غدا ولي العهد: أبدعتم.. مبارك للنشامى الأبطال رئيس الوزراء يهنىء بفوز منتخب القدم على نظيره الفلسطيني

الطريق إلى التمكين ...

الطريق إلى  التمكين
الأنباط -

نقف مع السنن وقفة متأمل ومفكر ومحاول أن يسبر أغوارها ليصل إلى الحقيقة، صراع حضارات ام هو صراع الوجود، ام هو صراع أديان وأفكار، أم هو صراع القوى المهيمنة، ولكن مهلا هل كانت الأرض يوما إلا أرض للصراعات، منذ تلك اللحظة التي يدرك فيها الطفل قوته ويسعى ليفرض حضوره وإرادته على بيئته المحيطة، ثم تكبر التحديات وتكبر الصور التي يسعى فيها الإنسان ليجد مكانا لسلطته على هذه البقعة التي يعيش فيها، ثم يخرج لنا فرعون وقيصر وكسرى وهرقل وهتلر وستالين وموسيلني وعشرات بل مئات من الجبابرة العتاه، هو إذا عند الكثيرين صراع وجود، أو صراع سيطرة وسلطة وسطوة. 

ولكن مفهوم الخالق مختلف هو لا يريد الأرض مكانا للصراعات، نعم هو أوجدها لتكون تلك المساحة التي يعيش فيها هذا المخلوق الفريد الذي يتمتع بالعديد من الصفات، التي تؤهله لأن يرتقى في سلم الفكر والحضارة والأخلاق، ومن ثم يكون أهلا ليكون خليفة الله في الأرض، ذلك الخليفة الذي يسعى لتطبيق الدين وهو المنهاج، أو نظام الحياة كما يقول ابو الحسن الندوي في كتابه ماذا خسر العالم بإنحطاط المسلمين.

 هناك عقول تسعى بقوة لتصل إلى الحقيقة، وما قصة الأحناف في الجاهلية إلا صورة من تلك الصور المشرقة، فهؤلاء رفضوا الشرك والجاهلية وتلك العادات والتقاليد والشركيات التي تتعارض مع العقل السليم، وأسند عمرو بن نفيل وهو أحدهم ظهره على جدار الكعبة وما فيكم على ملّة إبراهيم إلا أنا، مفهوم الرفض للعادات والتقاليد والتصورات الخاطئة عن الدين والخالق والحياة موجودة لم تتوقف، وهي مرافق دائم لكل انحراف يقوم به بعض البشر، فهذا الإنحراف يجد في المقابل أشخاصا يرفضون الإنحراف، ويرفضون مبدأ القوة وغياب الأخلاق وسيادة شريعة الغاب على البشر، كما يوجد في المقابل من يتبنى ويدعم ويسعى بقوة لفرض شريعة الغاب على البشر.

التدافع بين البشر، بين الخير والشر، بين الظلمة والنور، بين الحق والباطل، هذه من السنن الخالدة في الحياة، وستبقى إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، ثم ينتقل البشر إلى مرحلة جديدة، ليس فيها هذا النوع من التحديات، ولكن في هذه المرحلة يتفق أهل الشر ويجتمعون في مكان سمه ما شئت ولكن الله سماه الجحيم، ويتفق أهل الحق ويجتمعون في مكان سمه ما شئت ولكن الله سماه الجنّة.

ولكن هل وجود الجنس الواحد المتجانس مطلوب دائما، وهل ينفع الإختلاف أو يضر، ويبدو أن الإختلاف يضر أحيانا وينفع أحيانا أخرى، وما ضر الشمعة إلا فتيلها كما يقولون، ولكن في الحياة القياس هو قياس مع الفارق، وجد اليابانيون أن طعم السمك يختلف نتيجة صيده وتبريده، فبنوا أحواضا في سفنهم ووضعوا السمك فيها، ولكن ما زال الطعم مختلف، فلجأوا إلى حيلة وضعوا فيها صغار سمك القرش في أحواض السمك ليدب الخوف والحركة الدائمة في السمك، ولا يتغير طعمه.

 السلم والسلام نعمة، ولكنه يضر بفئة من البشر، فتخلد إلى الحياة الدنيا، وتغرق في الترف والنعيم والنعم والملذات، فيصيب بعضها الفسق وتستحق العقاب، ألم ترى إلى تلك الشعوب التي رفلت في النعمة زمنا، من بومبيى في إيطاليا تلك القرية التي فاجأها البركان وهم في غيهم، وخلد صور من حياتهم وفحشهم، إلى قوم لوط، إلى غيرهم ممن أصابتهم نعمة الترف وحلّ بهم الفسق فأستحقوا العقاب.  

يأتي الأنبياء عندما تنحرف البشرية عن المنهج، ويسعون بقوة لإعادة هذه الخراف الضالة إلى مسارها، ولكن البعض يأبى فهو مستفيد من الوضع القائم، وقد إرتبط بهذا النظام من حيث المنفعة والعادة والتقاليد والمجتمع، ولا يريد أن يغير ذلك، والأخرين مع أنهم قد يكونون مستفيدين من النظام القائم ومن الإنحراف الموجود، ولهم فيه حظوة ووجود، وخذ عثمان وسعد وأبو بكر غيرهم الكثيرين رضي الله عنهم، فقد كان لهم مكانة وحظوة وتنازلوا عنها من أجل إقامة دين الله الجديد صورة ومنهجا وفكرا في الارض.

ولكنه لم يكن دينا جديدا بل شريعة جديدة، وهم قد نشاؤوا على صور منحرفة، ولكن فطرتهم تحركت هنا، وهنا ملحظ مهم هو قدرة هؤلاء على رؤية الإنحراف القائم في المنهج الموجود، وعدم القبول به مع أنهم مستفيدون منه، وفي المقابل تجد مدافعين عن الوضع القائم، وهو يظلمهم ويسلبهم حقوقهم ويتعرضون لمعاناة كبيرة بوجوده، وهذه من فئة العاملة الناصبة، التي تسعى في عمل وهي مجدة ومجتهدة، ولكن هذا العمل هو تماما هو عكس مصلحتها، وعكس ما يحقق لها الفائدة.

 لن تستطيع أن تحمل البشر على رأي واحد، ومنهج واحد، وفكر واحد، وما أكثر الناس ولوحرصت بمؤمنين الأية 103 يوسف، ولكن وجود الكتلة الحرجة من أهل الحق والساعين له والداعمين له، وهؤلاء وجودهم يمنع وقوع ظلم كبير في الأرض، نعم سيبقى الظلم ما بقي البشر، لأن الإنحراف عن المنهج متعلق بأمور كثيرة ليس هذا مكانها، ولكن عندما تسعى الفئة العظمى من الناس للحق، وتحرص عليه وتحميه بالغالي والنفيس، يقل الظلم ويكاد أن يختفي إلا من تلك الحالات الفردية، التي لا تستطيع يد العدل أن تصل إليها.

الخالق لم يترك البشر منذ تلك اللحظة التي أنزلهم فيها من الجنة إلى هذه الأرض، فمرة يرسل الرسل والرسالات، وفي أخرى الأنبياء للتذكير وإعادة الناس إلى الصواب، وفي ثالثة يرسل الصالحين من أمثال صاحب موسى في سورة الكهف، او المجددين على رأس كل قرن، وهؤلاء كانوا يعملون بجد لبقاء الإنسان قريب من المنهج، وهؤلاء يعملون وفق منظومة إلهية منضبطة، فهو يعي تماما السنن الكونية ويعرف طبائع البشر ويستقى أوامره وتعليماته من الخالق مباشرة.

 السنن مرة أخرى والإعداد، سنة الإعداد تعني أن الله سبحانه وتعالى يُهيىء الأسباب والظروف لتحقيق التغيير أو التمكين، ولكن بعد أن تمر الأمة أو الفرد بمرحلة إعداد وتأهيل. فالنصر أو التمكين لا يأتي فجأة، بل يحتاج إلى تربية، وصبر، وتدريب، وتكوين داخلي، وإعداد روحي يهتم ببناء العقيدة الصحيحة والإيمان بالله، وإعداد نفسي يهتم بتقوية الإرادة والثبات على الحق، وإعداد فكري يسعى لفهم  السنن الكونية والتخطيط والعمل،  وإعداد مادي يسعى لتجهيز القوة العسكرية والاقتصادية، أشار ابن القيم إلى أن الابتلاء جزء من الإعداد، لأن به يتميز الصادق من الكاذب، وهنا يرى سيد قطب أن الإعداد العقائدي مقدم على الإعداد المادي، لأن العقيدة هي الأساس، بينما يرى مالك بن نبي أن الإعداد الفكري والثقافي أهم باعتباره قاعدة النهضة.

ثم بعد الإعداد يأتي التمكين، سنة التمكين تعني أن الله سبحانه وتعالى يمكّن للذين آمنوا وعملوا الصالحات في الأرض بعد أن يُختبروا ويُبتلوا، فيورثهم الأرض ويمكن لهم دينهم، بشرط تحقيق الإيمان الصحيح والعمل الصالح. وللتمكين شروط، وهي الإيمان بالله والعمل الصالح، والتوكل على الله، والاستقامة على منهج الله، والصبر على الابتلاء.

 إذا الإسلام ليس مجرد دين بل هو نظام حياة، يسعى لأنواع من الإعداد، أولا الإعداد الروحي الذي يهدف إلى بناء العقيدة الصحيحة والإيمان بالله، ومن ثم الإعداد النفسي الذي يسعى إلى  تقوية الإرادة والثبات على الحق، وبعد ذلك الإعداد الفكري الذي يُكون  فهم واضح للسنن الكونية وأثرها، ويسعى لتوظيفها في التخطيط والعمل، وإخيرا الإعداد المادي الذي يهتم بتجهيز القوة العسكرية والاقتصادية.

سنة الإعداد تُرسخ الإيمان والاستعداد للمهام، وسنة التمكين تُحقق وعد الله بالنصر والسيادة للمؤمنين، ويرى سيد قطب أن  التمكين يأتي بعد الابتلاء، وليس قبله، لأنه يُثبت أهلية الأمة لتحمل المسؤولية، بينما يرى ابن تيمية أن التمكين الحقيقي هو تمكين الدين في القلوب، وليس فقط السيطرة السياسية، بينما يرى مالك بن نبي أن  التمكين لا يتحقق إلا إذا وُجدت "القابلية للتمكين" في الأمة. وزالت القابلية للإستعمار.

إذا لم يتحقق الإعداد ولم تستطع الأمة النجاح في التمكين.

 ندخل في سنة خطيرة هي سنة الإستبدال، وسنة الاستبدال تعني أن الله سبحانه وتعالى يستبدل قومًا أو أمة بغيرهم، إذا انحرفوا عن منهج الله وفسدوا في الأرض كما حدث مع أهل الكتاب، فإذا تركوا طاعة الله، فإن الله يُزيلهم، وهنا الإزالة هي التنحية عن القيادة في الأرض، ويأتي بغيرهم ممن يكونون أكثر استقامة على أمر الله، وسنة الاستبدال تحذر من التخاذل والفساد، فيرى إبن خلدون أن الاستبدال هو نتيجة طبيعية لانهيار الأخلاق والقيم، بينما يرى سيد قطب أن الاستبدال يبدأ من داخل النفس، فمتى ما فسد الإيمان، كان الاستبدال حتميًا، بينما يرى أبو الحسن الندوي أن التخلي عن القيادة الحضارية سببه البعد عن الدين، وأنعكس تأثير تراجع المسلمين الحضاري على العالم بأسره، ويرى أن الإسلام ليس مجرد دين، بل هو نظام شامل للحياة. وعودة المسلمين إلى التقدم والتأثير الإيجابي في العالم لا تتحقق، إلا بإحياء القيم الإسلامية الصحيحة، وبناء حضارة قائمة على العدل، العلم، والأخلاق.

والعلاقة بين السنن الثلاث، الإعداد يؤهل الأمة نفسيًا وماديًا للتمكين، والتمكين يأتي بعد الإعداد وابتلاء الثبات على الحق، وإذا لم يحصل الثبات على الحق يحدث الإستبدال عند الإخلال بشرط الإيمان والعمل الصالح، ويؤسفني أن السنن لا تحابي أحدا، وقد جعلها الله ثابتة ثباتا يجعل هذه السنن تعامل الكافر والمؤمن وفق ناموس واحد، نعم قد تتدخل العناية الألهية في مواقف معدودة ومحددة بطوفان نوح أو خسف أو غيره.

 ولكن على المسلم أن يقوم بواجبه ويسعى حتى ينقطع منه الجهد ثم يتوجه إلى الله بالدعاء، وإلا فهو لم يفهم منهجه ولا وعى دينه ولا فهم سننه. 

إبراهيم ابو حويله ...
© جميع الحقوق محفوظة صحيفة الأنباط 2024
تصميم و تطوير