مقالات مختارة

هل الأردن على المسار الصحيح لتحقيق الأمن الغذائي

{clean_title}
الأنباط -
الدكتور: وليد عبد ربه  

شكلت جائحة كورونا جرس إنذارللدول والشعوب وسلطت الأضواءعلى اهمية موضوع الأمن الغذائي الشامل وترابطاته مع القطاعات الأخرى وبشكل خاص المياه والطاقة علاوة على كونه متطلباً أساسياً وشرطاً مسبقاً لتحقيق واستدامة الأمن الوطني. ‏ ‏وجاءت الحرب ‏الروسية الاوكرانية لتؤكد على ذلك ليس من حيث توافر الغذاء فحسب وإنما ‏من حيث الحصول والوصول إلى الغذاء حيث قامت العديد من الدول المصدره بوقف التصدير من بعض السلع الغذائية، إضافة إلى الارتفاع الشديد في الأسعار وتكاليف النقل والتأمين وما نجم عنه ‏من نقص في الإمداد والتوافر الذي طالت أثاره دول العالم بما فيها العديد من الدول الغنية.  بالاضافة الى العوامل السابقة  فإن استضافة المملكة لنحو 1.3 مليون  مواطن سوري، منهم ما يزيد عن 671 ألفاً من اللاجئين المسجّلين لدى الأمم المتحدة يقطن حوالي 10% منهم فقط في مخيمات اللجوء الى انعكاسات سلبية متزايدة في ظل استمرار الأزمة السورية.مما زاد الضغط بشكل كبير على الموارد الغذائية والمائية الشحيحة وأدى تحويل جزء من مصادر المياه في هذه المناطق لأغرض الشرب الى مشاكل عانى  منها المزارعون .وقد وصلت خطورة الأزمة السورية إلى مستويات غير مسبوقة، فالأعباء الكبيرة التي يتحملها الأردن بسبب موجات اللجوء المتتالية  تفوق قدراته وإمكاناته المحدودة، وقد أثّر تتابع الأحداث في الدولة الشقيقة سوريا إلى إغلاق الحدود البرية للأردن مع سوريا ، مما انعكس بشكل سلبي على القطاع الزراعي الأردني من حيث الصادرات الأردنية الزراعية إلى سوريا ولبنان وتركيا وبعض دول الإتحاد الأوروبي ودول أوروبا الشرقية.
 ‏وقد بادر الأردن بقيادته الرشيده مبكرا بإتخاذ الإجراءات اللازمة للتحوط وتقليل الأثار السلبية على مستوى الأسر والمجتمعات المحلية و الاقتصاد الوطني بشكل عام والتي ساهمت بشكل مباشر في تحسين منعة واستدامه الأمن الغذائي. حيث شكلت استجابة وتعامل الأردن مع الأزمات نموذجاً يحتذى من حيث وجود مخزون غذائي كاف لفترة طويلة وعدم ارباك حلقات سلاسل الإنتاج والصادرات. هذا وقد قام الاردن بجهود مكثفة واتخذ العديد من الخطوات والإجراءات لتوفير الغذاء الكافي والصحي لكل السكان في كل الأوقات وشملت هذه الاجراءات:  
-    ‏تبني المفهوم الشامل للأمن الغذائي والذي يؤكد على أن الإنتاج المحلي على أهميته،  يشكل أحد مكونات تحقيق الأمن الغذائي والذي يشمل أيضا التجارة وسلاسل الإمداد والتخزين والتصنيع والأسواق ونوعية وسلامة الغذاء وحوكمة الأمن الغذائي وغيرها.
-    ‏اشراك كافة اصحاب العلاقة من القطاع العام والقطاع الخاص والمجتمع المدني والمؤسسات الدولية في المشاورات والمداولات وصياغة وضع القرارات المتعلقة بالأمن الغذائي.
-    ‏تشكيل اللجنة الوطنية للأمن الغذائي برئاسة وزير الزراعة وعضوية ممثلين عن القطاع العام والقطاع الخاص ومنظمات المجتمع المدني والمؤسسات الدولية..
-    ‏إعداد واعتماد أول استراتيجية وطنية للأمن الغذائي 2021-2030 وخطة العمل 2022-2024 بالإضافة إلى تبني مسارات تحويل ‏النظم الغذائية والعمل حاليا على اعداد خارطة الطريق لتحويل تلك النظم إلى  نظم أكثر كفاءة واستدامة.
-    ‏العمل على إنشاء المجلس الأعلى للأمن الغذائي وقاعدة معلومات الأمن الغذائي والتي يتوقع أن تستكمل خلال الشهور الثلاثة القادمة.
-    بدء اللجنة  المشكلة برئاسة وزارة الزراعة وعضوية كل من منظمات الأمم المتحدة ووزارة التخطيط والتعاون الدولي ودائرة الإحصاءات العامة  عملها لإعداد خطة عمل لتحسين مرتبة الأردن في مؤشرات الأمن الغذائي العالمية بإعداد دراسة تحليلية للمؤشرات. في بداية عام 2022 ، قامت الحكومة بإطلاق الخطة الوطنية للزراعة المستدامة 2022 – 2025 والتي جاءت لتعزيز الامن الغذائي في الاردنواسفر عنها توفير تمويل بقيمة 110 مليون دينار لمشاريع الامن الغذائي وخاصة تلك المتعلقة باستخدام التكنولوجيا الزراعية وتوفير مياه الري والثروة الحيونية ومشاريع تمكين المراة والشباب العاطلين عن العمل وفرت حوالي 12 الف فرصة عمل.

-    ‏إطلاق مبادرة لا لهدر الغذاء  حيث يقدر ما يهدره  الأردن من الغذاء بحوالي 930 ألف طن سنوياً وهذا يعني هدر كميات كبيرة من المياه والطاقة والجهد والمال . وستعمل هذه المبادرة على تقليل الهدر إلى النصف بحلول عام 2030
-    العمل على أن يكون الأردن مركزاً إقليمياً للأمن الغذائي بحيث يعمل المركز على تعظيم الميز النسبية للدول المشاركة من حيث توفّر المواد الخام وميزةالموقع المتوسط وتوفر البنية التحتية وبيئة الاستثمار، وذلك لتخزين وتصنيع وتوزيع الغذاء وصناعة مدخلات الإنتاج مثل : الأسمدة والمبيدات والبذور وأنظمة الري ، وتوفير أسطول نقل إقليمي حديث ونقل وتوظيف التكنولوجيا وتسهيل التجارة البينية بين الدول المشاركة.
 والجدير بالذكر أنّ الأردن قد تمكن من تحقيق نسبة تُعتبر عالية من الاكتفاء الذاتي الغذائي وصلت إلى 61.24 % في العام 2021 بالإضافة الى تحقيق نسب كاملة أو عالية من الاكتفاء الذاتي للعديد من المجموعات السلعية مثل الخضار والفواكه ولحوم الدواجن والبيض وزيت الزيتون والحليب وذلك رغم الزيادة الكبيرة في أعداد السكان نتيجة اللجوء السوري وتناقص كميات المياه العذبة المتوفرة للزراعة من 475 مليون متر مكعب عام 2013 إلى 367 مليون متر مكعب عام 2021 .
وبالرغم من الموارد الطبيعية المحدودة في الاردن والاوضاع المالية التي مرت بها المملكة منذ عام 2008 الا انه حقق تقدماً ملحوظاً على مؤشر الأمن الغذائي العالمي الذي تصدره وحدة استخبارات مجلة الايكونومست حيث تحسن وضع الأردن من المرتبة 62 عام 2020 إلى المرتبة 47 عام 2022 من مجموع 133 دولة في العالم. ومع ذلك فهناك بعض المؤشرات غير المريحة لأوضاع الأمن الغذائي في الأردن وبشكل خاص مؤشر البدانة عند الكبار ومؤشر فقر الدم عند النساء ومؤشر نقص التغذية والتي وصلت إلى 35.5% و 37.7% و 16.9% على التوالي خلال الفترة 2019 – 2021 ويقتضي التنويه هنا الى أن وزارة الزراعة تقوم حالياً بمراجعة آليات ومدخلات احتساب هذه الأرقام مع منظمات الأمم المتّحدة التي تصدرها، وتمّ تشكيل فريق من مختلف الوزارات ومنظمات الامم المتحدة ودائرة الاحصاءات العامة لمراجعة هذه الأرقام.
 ويعمل الأردن حالياً بجهود مكثفة بالتعاون مع العديد من المنظمات الدولية مثل البنك الدولي وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة الأغذية والزراعة والجامعات العالمية المتميزة في مجال الأمن الغذائي مثل جامعة ڤاجننجن وجامعة أوكسفورد من أجل تحويل النظم الغذائية السائدة إلى نظم أكثر كفاءة ومنعة واستدامة، وان إعداد خارطة الطريق التي ستصدر خلال الشهر القادم تعتبر حالة ريادية متقدمة على المستوى العالمي.
 ولا بد من الاشارة الى إنّ تحقيق الأهداف والمستهدفات المحدّدة باستراتيجية الأمن الغذائي يتطلب توفير البيئة والمتطلبات اللازمة لذلك والتي يأتي على رأسها توفير التمويل اللازم للمجلس الأعلى للأمن الغذائي والوزارات ‏ذات العلاقة المباشرة بالأمن الغذائي فعلى سبيل المثال بلغت موازنة وزارة الزراعة الرأسمالية للعام 2023 حوالي 23 مليون دينار فقط ولا داعي للتنويه هنا أن موازنة كهذه ‏لن تحقق الزيادات المرجوة في الإنتاج والإنتاجية. ومن جهة اخرى فانه الأهمية ‏بمكان بدء المجلس الأعلى للأمن الغذائي بممارسة مهامه بالسرعة  القصوى والذي سيشكل الإطار الأشرافي والتنسيقي لتحقيق اهداف الاستراتيجية ‏ويعتمد عليه تحقيق  العديد من المبادرات الرئيسية ذات العلاقة بوقف هدر الغذاء و إنشاء المركز الإقليمي للأمن الغذائي وتنسيق الجهود و سياسات العمل بين اصحاب العلاقة في ‏القطاعين العام والخاص وتوفير التمويل اللازم لمشاريع الأمن الغذائي.
وختاما فإنّ استكمال الجهود والزخم  الذي تم العمل عليه خلال العامين الماضيين يشكل فرصةً وتحدياً للحكومة والقطاع الخاص والمجتمع الدولي لبناء شراكات فاعلة من تحقيق ‏الأمن الغذائي والذي بدوره سيشكل إسهاما مباشرا في الاستخدام الأمثل والرشيد للمياه والطاقة والحد من تأثيرات التغير المناخي وبالتالي سيسهم   في تحقيق الأمن والاستقرار والازدهار الوطني والإقليمي
تابعو الأنباط على google news
 
جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الأنباط © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الأنباط )