مقالات مختارة

الحياة_كروية.

{clean_title}
الأنباط -

بين صافرات الحُكام، وتعب الأقدام، ونفسية الإقدام والإحجام، بين الرايات واليافطات والميكروفونات والشاشات والمحللين والخبراء واللاعبين تُذهلك كرة القدم، تُبهرك كرة القدم.. ترمي بك في شباك الحياة والتسائِل مُرغماً، توقظ فيك كل هواجس النفس المتصاعدة والمتراكمة، تدور معها وبها وإليها.. فعلى أعتاب كل لقاء مستدير، وملعب مستنير، وزحام من الشخصيات والوجوه والثقافات والجنسيات والأعلام تستيقظُ أبطالٌ وتنوء أساطير.. تكبرُ أحلامٌ وتموت أمنيات، تتحطم آمال وتنبت إصرارات.. تلتف بك الحياة عالياً مع كل ضربة، وركلة، وركنية.. مع كل وقفة، وخطأ، وأغنية، مع كل تسلل، وتمهل وتبديل.. لتجد نفسك في مرمى الحياة هدفاً قد تصفق وتفرح، أو تعتصر وتبكي لتخرج بعدها من هندسة الإستاد المنمق وأصوات الجماهير والحضور، إلى فوضى الحياة والركام، تركض نحو المشاعر والمواقف والإعلام، تنبش في مواقع التواصل.. فتفترس كل تلك التطبيقات تاريخ طويل من التعب والجهد والكد لأبطال المستديرة لا تعرف بعدها ما هو الصحيح وما هو الخاطيء، ما هو لك وما هو عليك، ما كان واجباً عليك أو حقٌ لك.. وداخل دوامة كل تلك الإرهاصات عشنا في #قطر كجزء من المونديال، كروح متناغمة بين جوانبه نتنقل بأفكارنا وعواطفنا ومواقفنا بين لون ولون، فريق ومنتخب، دولة ولاعبين، مدربين وإدارة.. امتزجنا مع روح المكان ككرة مستديرة تطير هنا وهناك مليئة بالمجسات والنوابض والبوصلات تفرح مع نشوة المغرب، وتحزن مع دموع رونالدو، وتبكي مع رحيل البرازيل، وتلوح لمغادرة ألمانيا، وتتنهد مع ضجيج السعودية، وتفتخر بإنجاز تونس، وتنبهر بصمود ميسي والأرجنتين، ثم تهمس للجماهير المتناقضة، والمتصارعة، والمتباكية لتقول لهم: 
- أن رمز حياة، أدور كما تدورون، أستدير كما تستديرون.. أحلم كما تحلمون، أُخفق، أفوز، أنطلق، أرتمي، أقف.. فنحن نشبهُ بعضنا بعضاً..
وفي الختام أيها السادة ستنتهي التظاهرة، ويخلص الصراع، وتحسم النتائج، ويلتف الجميع حول الحصاد، ثم تعود الكرة نحو الأدراج..
 لتكمل الكرة المستديرة قولها:
- ستبقون أنتم، وتبقى هالاتكم، ونبراتكم، وعبراتكم، وهتافاتكم.. ستبقى ذكرى مروركم وانطلاقاتكم، ومجدكم أمل بناة، وطوق نجاة.. لتعرفوا في النهاية بأنها الحياة.. نعم هي الحياة.
جميلٌ هذا المونديال، لذيذةٌ هذه اللحظات، عزيزةٌ هذه الدقائق.. في ظل روح عائلية رياضية، وإنسانية روحية، وقومية عروبية أعادت لنا بعض مصابيحنا المفقودة، وجواهرنا المسلوبة، فطوّفنا حول أنفسنا بإستدارة الكرة، وارتقينا مع تعاطفنا بحجم قلوبنا الفياضة.. شكراُ قطر، شكراً لكل من قاسمنا وشاركنا حلمنا..
We are Dreamers..

د. ابراهيم العدرة
الجامعة الأردنية
كلية الآداب
الأحد ٩-١٢ - ٢٠٢٢
تابعو الأنباط على google news
 
جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الأنباط © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الأنباط )