الأنباط -
قادني الحظ السعيد أن أطالع كتابا عنوانه " حديث الذكريات في رحلة الأيام و السنوات " و هي مذكرات معالي السيد فهد أبو العثم النسور و ما تركت الكتاب حتى أتيت عليه كاملا.
وعلى الرغم أني لم أقابل المؤلف الا مرات قليلة، الا اني سبق و أن طالعت اثنين من كتبه: الأول كتاب ألفه المؤلف في سبعينيات القرن الماضي و عالج فيه بأسلوبه الأدبي الاستثنائي أحداثا قضائية من منظور أجتماعي ناقد، و الثاني كتابه في القضاء الإداري و الذي يعد موسوعة نفيسة في القانون الإداري يرد عليها القضاة و المحامين و الباحثين باستمرار. و لذلك ما ان رأيت مذكرات المؤلف الا وشعرت أنها سفر نفيس يستقي منه القارئ علما و تجربة و خبرة و أسلوبا أدبيا بليغا.
يعالج المؤلف في مذكراته كحال المذكرات طفولته و شبابه و دراسته و عمله في رحاب القضاء و المحاماة و الحكومة وزيرا. و لعل ما يستحق الإشارة اليه في هذه الاسطر القليلة مسألتين : المسألة الأولى هو الدور الذي لعبه المؤلف في خلق ثقافة قضائية إدارية خلاقة لا تنجرف وراء هوى الانحراف عن جادة القانون و لا تخشى عواقب اتباع الحق و انصاف المظلومين. و لقد شدني في هذا المقام قراران:
الأول هو الغاؤه لقرار مجلس الوزراء بمنع أحد الناشطين السياسيين من اصدار صحيفته و التي كانت قد استوفت الشرائط القانونية . و لقد كان هذا بحق أحد القرارات الفاصلة في تاريخ القضاء الأردني و العربي الذي عزز فيه قواعد قضاء الإلغاء كدور رئيس من أدوار القضاء الإداري. و الثاني: هو ترؤسه لهيئة المحكمة الدستورية في قرارها التاريخي بتقرير عدم أحقية أعضاء مجلس الامة لرواتب تقاعدية بعد إزالة الشبهة القانونية عن صفة أعضاء مجلس الامة الوظيفية فحسم بذلك جدلا امتدد لسنوات و بنى أساسا قانونيا يحقق وفرا اقتصاديا لخزينة الدولة الأردنية لسنوات وسلما اجتماعيا لسنوات و سنوات.
أما المسألة الثانية: فهي الدور الذي لعبه المؤلف في الحكومة عندما ترأس اللجنة العليا لمكافحة الفساد أثناء وزارته و التي أصبح خلفها هيئة النزاهة و مكافحة الفساد فخلق بنيانا حكوميا بنكهة قضائية له مساهماته و دوره الفاعل في كل يوم و الى يومنا هذا.
ان تلك الإشارات هي غيض من فيض. و ان كانت كلماتنا لا تسع المداميك التي أرساها فهد أبو العثم الا أن التاريخ الأردني سيسجلها بأحرف من نورو يجله هو كظاهرة قانونية أدبية نادرة تستحق التخليد.
كاتب المقال بلال عيسى ابو زيد