مقالات مختارة

الظاهرة السيرلانكيّة ، لماذا نُبقي غالبية الشُعوب في العَربة الأخيرة من القطار ؟

{clean_title}
الأنباط -

في الإقتصاد السياسي والمجتمع
د.أنور الخُفّش

الظاهرة السيرلانكيّة ، لماذا نُبقي غالبية الشُعوب في العربة الأخيرة من القطار ؟
(ولولا دَفعُ الله الناس بعضهم بِبَعض لفَسدَت الأرض) خيرُ ما نَبدأ به حديثنا اليوم ، كيف تَفسَد حياة الناس والمجتمع جرّاء كَوْن السياسات ضارّة بالجتمع ومصالح الناس؟ كما تَفسَد الأرض بِفَساد بعض أهلها ، والعبرة كَوْن أهل الإصلاح من أقام نظم العمران وهي حكمة من حكم التاريخ ، من هُنا تأتي شرعية الإنجاز في الحُكم واستدامته . التعاطي الجدّي بنهج السياسات الإقتصادية العادلة الغير جائرة على الطبقات الفقيرة وذوي الدخل المحدود ، الأمر الذي يُشكّل الخطر الأكبر على الأوطان أو ركيزة لوِحدة الوطن وضمان لأمنه واستقراره وحُسن إدارة الثروات الطبيعية وتوزيع مُكتسبات التنمية بعدالة جغرافيا وديموغرافيا ، يعزّز إطار الوحدة الوطنية ويُحقق العدالة المُتساوية تحت عنوان الديموقراطية الإجتماعية. حول الأوضاع الإجتماعية في الأردن ، الشعب يُريد سياسات وطنية لإنقاذ الحالة المالية والإقتصادية الصعبة بعد كورونا جعله أكثر قسوة وصعوبة ، ولا تحتمل. من هنا لماذ تبقى رعاية مصالح الناس في العربة الأخيرة في قطار الأولويات في برنامج العمل الحكومي بينما تبقى الحكومة في العربة الأولى وما بعدها أصحاب المصالح وتبقى الحكومات غير قادرة أو لاتريد ترجمة مضامين كُتب التكليف السامي وِفق الرؤية الملكيّة الجديّة في التوسيع على حياة الناس وتحسين مستوى الدُخول والظروف المعيشية المتعثرة للمواطنين تحت عنوان معالجة مشاكل الفقر والبطالة. بصراحة أكثر وبالمباشر ، هل الحكومات لا تريد تغيير السياسات المالية والإقتصادية بالإتجاه المعاكس نحو الحلول الجذرية ، والإبقاء على تَلازُم قرار (الجوع والعتمة) و حالة الإستعصاء دون معالجة ؟ بصراحة أكثر إن إبقاء سياسات رعاية مُكتسبات ومَنافع فئة أصحاب المصالح من جهة والنزاهة والعدالة الإقتصادية والإستقرار الإجتماعي في نفس الزمان والمكان ، من المستحيلات ومعادلة تتعارض مع قوانين الطبيعة ومُتطلبات إستعادة الثقة . ومَن لا يستطيع تركيب معادلات لنهج جديد يستهدف الإستقرار قوانين الإستدامة ستخرجه من الملعب تلقائياً بقرار من الدولة (الخيار السياسي) أو بِقرار( شَعبَوي) القوة الإجتماعية المتفاعلة .

التجربة السيرلانكية ، الدرس والعبرة ، لماذا نُبقي غالبية الشعوب في العربة الأخيرة من القطار؟ تتصاعد وتَظهر أدوار (القوة الإجتماعية المتفاعلة) من أفراد وجماعات فاعلة ومؤثرة في المجتمع ، الخطورة إذا كانت هذه الإعتراضات غير المنظمة وبتلقائية وعلى غفلة كما حصل في سيرلانكا حالياً ، في حين ما حصل بشكل مُنظّم ومُوجّه في تونس ومصر عام 2011 ، تبقى حالة الإستدراك والمعالجة دون إغفال عُنصر الزمن هو المسار الرشيد والحكيم وإبقاء الدولة من يُدير حالة التغيُّر في زمن الأزمات الإجتماعية ، وأن لا يُترك بإرتفاع صوت الألم والمعاناة عالياً ، وبالتالي صوت وشكل الإعتراضات الشعبية الغير مُنضبِطة ، حين يستَشعر المواطنين بِعدم إهتمام وتراجُع قُدرة الدولة على إقامة ميزان العدالة الإجتماعية في أدنى مستويات الحقّ بتوفير العيش الكريم ، والخطورة القصوى عند تراجُع مؤسسات الدولة على إنفاذ القانون بالتساوي على المواطنين دون تمييز أو محاباة مما يؤدي إلى بُروز أهمية وفاعلية دور الأفراد والجماعات خارج سيطرة الدولة ، لا ننسى أن المظاهرات والحالة الإعتراضية على إستمرار حُكم الرئيس مُبارك في مصر ، بدأت بعشرات أمام نقابة المحامين وتَلَتها بعشرات أخرى أمام نقابة الصحفيين ، مع الوقت والإهمال الحُكومي لحاجات الناس ، إمتلأت الميادين بالملايين . لِسَبب بسيط كَون طلبات الناس ليست سياسية أو تَرفاً بل كانت تَمسّ خُبزهم ومأكلهم ومشربهم وتَسيير أمور حياتِهم البسيطة الإعتيادية من فاتورة الكهرباء والماء والصحيّة والتعليمية .
مستوى المسؤولية عند القيادات ، يُعبِّر عنه وَضع الإدارة العامة وإنعكاسها على الحالة المجتمعية ورِضى الأفراد ، إن الإهمال بحُقوق الأفراد الدستوريّة في توفير الوظائف والحقوق الإقتصادية المتساوية ، أريد أن أستذكر تغريدة السفير البريطاني في الأردن عام 2020 أقتبس (عام 2019 إن 68٪ من سكان الأردن تحت عمر ال٣٠سنة ، ٤٠٪ منهم من غير وظائف) وفق الإحصائيات الرسمية تجاوزت 50% العام 2021 ، وغرّدت مُعلقاً أين نحن من خطة النُهوض الإقتصادي والإجتماعي ، مما يُعزز أن يكون الشعور بأنهم جيل الشباب والأفراد خارج إطار مسؤولية الدولة ، أو تَكبُر الصورة العامة إلى حالة الإرتباك وإدارة الأزمة إلى الإرتباك في حالة الحُكم والإدارة ، من هُنا يَزداد تدنّي مستوى الوطنية ، هذا التحليل أو الإستناج لِمَنحى السلوك الإجتماعي والسياسي في الحالة السيرلانكيّة .
أختم بالقول ، إن العتمة لا زالت تُظلِّل الفَضاء الإقتصادي ، وسياسات التشغيل والتوظيف في العتمة أيضاً ، لدى غالبية المواطنين ، من خلال مُراقبة التعليقات والمنشورات على مِجَسّات التواصل الإجتماعي . كما هو معروف الطبيعة تَرفُض الفراغ بالأوضاع الطبيعية ، كيف تكون الصورة عندما يَسود شُعور بالظُلم الإجتماعي والإقتصادي أو بِحَدِّه الأدنى إهمال مُعالجة حاجاتهم المعيشية الأساسية بالحُدود الدُنيا ، الخطورة عندما تتّسع رُقعة المظلوميّة ومساحتها الجغرافية ، إنها عوامل دافعة نحو الفوضى ، وبصورة طبيعية تبرُز قوى لِتَحل مَحل مؤسسات الدولة في أداء وظائفها ، من تقديم الدّعم للمجتمعات حينها تتحالف الأفراد والجماعات لِحالة وظيفيّة مُنظمة لإحتلال دَور مؤسسات الدولة . دَور النظام أن لايقف على الحياد ، والقائد الحقيقي يتقدّم صُفوف شَعبِه ويكون أكثر غَضَبا منهم ، والإقدام نحو خُطوات جادّة إلى الإنفراج في السياسات المالية والإقتصادية ، وإنهاء دَور أو بَقاء الأمور في يد المُتحكم بتوزيع المهام والأدوار وتخصيص عوائد التنمية .
الرئيس التنفيذي / مرصد مؤشر المستقبل الإقتصادي
تابعو الأنباط على google news
 
جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الأنباط © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الأنباط )