الأنباط -
سعيد الصالحي
الفكر القومي، الفكر اليساري، الفكر الديني، دائما ما كانت تستوقفني كلمة فكر، فما المقصود بكلمة فكر عندما تسبق صفة ما أو اسم ما، فمعنى الفكر لغويا على ذمة معجم المعاني يعني "إعمال العقل في المعلوم للوصول إلى المجهول" ، أما التفكير فهو "مجمل العمليات الذهنية التي يؤديها العقل"، ولم أجد كلمة "فكر" أو حتى كلمة "تفكير" تنسجم هنا مع عبارة "الفكر الاشتراكي" أو "الفكر الرأسمالي" فأي مجهول سأكتشف في الفكر الرأسمالي مثلا، وبعد أن أعملت عقلي لعدة دقائق وفكرت - واستغربت أنه ما زال بإمكاني التفكير - فوجدت أن الاشتراكية على سبيل المثال مستوردة من رأسها حتى أخمص قدميها وبالتالي فلا بد أن العلبة -وأقصد هنا كلمة فكر- الذي استحضرنا بها هذه العقيدة مستوردة أيضا وربما لم نوفق بترجمة كلمة "فكر" كما حالفنا الحظ في ترجمة كلمة "اشتراكية" من أصولها الانجليزية وغيرها من اللغات الغربية التي أصبحت اللغات الاصلية لكل العلوم المعاصرة وحتى لبعض معارفنا وعلومنا ونقوشنا التاريخية.
فكلمة "أيدولوجيا" هي ما يجب أن تسبق الاشتراكية أو القومية وليس كلمة "الفكر" فالفكر أقرب للفلسفة وليس تجميعا للأفكار والنظريات ضمن إطار ونسق، فالتأطير والتنسيق هو عمل الأيدولوجيا والكل يمتلك الايدولوجيا الشخصية ولمعظم المجتمعات أيدولوجيتها الجمعية أيضا، ولكن هل لكل إنسان قدرة على الفكر؟ وهل يتشابه هذا الفكر بين الناس بحيث يمكن تأطيره من حيث الشكل أو تبويب مخرجاته؟
فيما مضى كان لمجامع اللغة العربية في مصر والعراق وسوريا والاردن حضور مميز في هذا المضمار، وكانت هذه المجامع تتسابق وتتنافس في إثراء اللغة العربية، وكانت تحرص على إختيار الكلمة كأنها مسؤولية تاريخية وليست مجرد دور عابر، ولم تندفع هذه المجامع كذلك وراء سهل الكلام وسطحية المعاني في تعريب ما استعجم علينا من الكلمات وما زالت كلمة "الشطيرة" الشاهد على عظمة عمل هذه المجامع اللغوية، أما كيف أنسابت كلمة الفكر بدلا من الايدولوجيا في ثقافتنا العربية متخطية أسوار مجامعنا فهذا أمر يحتاج لبحث معمق وطويل، أما ما يجب علينا فعله من اللحظة هو استخدام كلمة "ايدولوجيا" بدلا من كلمة "فكر" عند الحديث عن الافكار والنظريات، فكلمة أيدولوجيا معترف بها في معاجمنا الحديثة وهي أكثر دقة في الوصف من كلمة فكر.
فالفكر مرحلة سامية ومتقدمة في حياة الإنسان، ولا يجوز ربطها بالمفاهيم السياسية والاجتماعية والاقتصادية ككلمة أيدولوجيا، وكذلك حصر كلمة فكر في هذه المناحي من الحياة لا يقلل من شأن الكلمة بقدر ما يدلل بوضوح على قصور فهمنا لها وعشقنا للمستورد والمترجم من الكلمات على حساب لغتنا وثقافتنا التي ستبقى خالدة إلى آخر الأزمان.