الأنباط -
د.أنور الخُفّش
منذُ زَمن إستَشعر وتَحسّب قادة العالم للمَخاطِر والمُهدّدات الناتجة عن الأزمة الغذائية المتفاقمة المتعددة الأوجه وامتدداتها لِتَطال مُعظم دُول العالم ، استجابة والتَحوُّط في إدارة الأزمة ، أُعلن من أمريكا بتاريخ 19 أيار2022 ، بَيان خارطة طريق الأمن الغذائي العالمي بصفتها رئيسة للإجتماع الوزاري العالمي للأمن الغذائي الذي عُقد في مَقر الأمم المتحدة ، وأيّدته حتى اليوم 92 دولة من ضمنها الأردن ، عن تَأكيد إلتزام الدول بالعمل بشكل طارئ وعلى نطاق واسع وبالتناغم للإستجابة للإحتياجات المُلحّة للأمن الغِذائي والتغذية ، بتقديم المساعدة الإنسانية الفوريّة لملايين الأشخاص الذين يعيشون في ظروف معيشيّة صعبة في العالم ، يُشير التقرير العالمي للعام 2022 بِقلق بالِغ والذي صدر مؤخراً بشأن أزمات الغذاء يُشير إلى أن عدد مَن يُعانون من انعدام الأمن الغذائي الحادّ قد إرتفع بشكل كبير من 135 مليوناً في العام 2019 حتى 193 مليونا في العام 2021. تبدو توقُعات الأمن الغذائي للعام 2022 وما بعده قاتمة نظراً إلى عوامل تَعمل على تجدُّد و تزايُد الصراعات والأحداث المتطرفة ، وتكلفة الإنتقال إلى الإقتصادات النظيفة (الخضراء) وإنعكاساتها ذات الصلة بالمناخ ، مثل فترات الجفاف والفيضانات وتزايد أزمه المياه ، والأزمات الإقتصادية ، لازال العالم يعاني من آثار جائحة كورونا على سُبل العيش والدخل وأسعار الغذاء، وعدد من التهديدات الأخرى للمحاصيل الزراعية . وتَبِعها حالة حرب روسيا والغرب في أوكرانيا ليزيد الطين بِلة ، إذ أدّى إلى تفاقم هذا الوضع المُتردّي أصلاً والمُؤشرات بأن أمدها طويل وبأقل تقدير هو بمثابة إعلان عن عودة الحرب الباردة .
المسؤولية تَستَوجِب العمل الجماعي على مستويات متنوعة من كافّة الدول الأعضاء في الأمم المتحدة والمُنظمات الدولية والقطاع الخاص والمجتمع المدني والأوساط الأكاديمية إلى تقديم الدعم العاجل للإستجابة لحالات الطوارئ لتلبية الإحتياجات الإنسانية والتَركيز على بِناء أنظمة غذائية مَرِنة ومُستدامة، لا سيّما لِمَن هُم أكثر عرضة للإضطرابات الإجتماعية لإنعدام الأمن الغذائي. الأسبوع الماضي كانت مُبادرة مجموعة الدول الصناعيّة السَبع بقيادة ألمانيا بجُهود نَحوَ تحديد الأولويات والإستجابة لأزمة الأمن الغذائي العالمية المتزايدة ، وأهمها (تشكيل تحالُف عالمي للأمن الغذائي) و تَجديد إتفاق الدُول السَبع بِشأن منع المجاعة الذي تم التوصُّل إليه سابقاً.
الأردن يُدرك أهمية القِيام بمُبادرات وجُهد سياسي عربي للعمل نحو تعزيز إلتزام صناديق التنمية العربية والمُؤسسات المالية العربية و الدولية بالحشد بين خبراتها و وقدراتها التمويلية مِن أجل زيادة الدّعم التقني والمالي السريع للبلدان المُعرضة لأزمة الأمن الغذائي و زيادة الإنتاج الزراعي المحلي والعمل على سلامة الإمداد في كافة البلدان ، بما يتماشى مع الإنتقال إلى أنظمة غذائية مستدامة . و تَضمين هذه الإلتزامات في خُطة عمل المؤسسات وتعزيز الشراكة المتعددة الأطراف لمُعالجة انعدام الأمن الغذائي. يُدرك خُبراء الإقتصاد السياسي أن تأثيرات صَدَمات الإقتصاد الكُلي تهدد الأمن الغذائي العالمي على الأمد القصير وفي المستقبل أيضاً ، خاصة الدُول التي تُعاني مِن شُحّ الموارد والإمكانيات الضيّقة (الفقيرة ) ذات الآثار المُركبّة للصدمات التاريخيّة المُتعددة والتي يتعرّض فيها أكبر عدد من الناس لتَهديد مباشر بسبب إنعدام الأمن الغذائي وإنعكاسُه على حالة الإستقرار الإجتماعي والسياسي .
يمكننا في الأردن نظراً ما لدينا موارد متاحة بزيادة إنتاج الأسمدة مُؤقتا لتَعويض النَقص ودعم إبتكارات الأسمدة والتَرويج لأساليب تعزيز كفاءة الأسمدة والإستثمار في تَنويع الإنتاج المستدام للأسمدة وزيادة استخدام المُخلّفات كأسمدة لخلق أطول سلسلة مرونة توريد لهذا المدخل الرئيسي. ولا نُغفِل أهمية عنصر الزمن تكثيف الجهود لدعم التحوّل المستدام للزراعة والنُظم الغذائية لجعلها أكثر مرونة وتوفراً للمزارعين أصحاب الأملاك الصغيرة وتعزيز البُنية التحتيّة والدّعم اللوجِستي والإبتكار اللازم للزراعة وتخزين الغذاء وتوزيعه ، وتطوير قطاع الزراعة والنُظم الغذائية. ويجب علينا أن نَعمل بشكل جماعي مِن أجل مواجهة التَهديد اللاحِق لإنتاج الغذاء ، بالعمل على زيادة الإستثمارات في القدرات الزراعيّة والقُدرة على الصُمود وحماية أمنِنا الغذائي والتغذية والرّفاه والحفاظ على المشاركة السياسية الإقليمية و العالمية رفيعة المستوى بشأن هذه القضايا الحرجة ، ونَحشِد الدّعم على تكوين موارد إضافية لتنفيذ خارطة الطريق هذه على أساس عاجل. يُعد التنسيق المُعزِّز على المستوى القَطري أمراً أساسياً ، بِما في ذلك حصولنا على دعم عمل مجموعة الأزمات الدولية في البلدان الشريكة. المطلوب مضاعفة جهود الحكومة في هذا الصدد، بما في ذلك من خِلال تعزيز فهمنا وإدراكنا لمُستَخلص التقارير المتعلقة بالإجراءات والتأثيرات على الأرض لتجنُب المزيد من الصدمات والمخاطر الإجتماعية والإقتصادية.
إن الحاجة الطارئة تُؤشر الحكومة تشكيل خُطة وطنية نَحوَ تَعزيز المنظومة الغذائيّة المُستدامة مِن الإستعداد والوقاية والإستجابة ، تَتَطلّب بِناء القُدرة الذاتية ، ودَعم الحماية الإجتماعية وشَبكات الأمان، وتعزيز النُظم الغذائية المستدامة والمرنة والشاملة بما يتماشى مع أهداف خطة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة للعام 2030 وأهداف التنمية المستدامة ونتطلّع إلى مُعالجة الأمن الغذائي كعُنصر أساسي من عناصر التنمية الإجتماعية والإقتصادية والبيئية . تَشجيع الحكومة نَحو تحفيز المبادرين من كافة الفعاليات الوطنية المختلفة ، التي مِن الواجب إتخاذها في هذا الصدد، نحو تعزيز نُظم الأغذية الزراعية وأنظمة الصحة والحماية الإجتماعية لتسريع تنمية رأس المال البشري والإجتماعي والإقتصادي ، والإحاطة علماً و الإستفادة من العديد من المبادرات الدولية الأخرى وتعزيز المُتون والقدرات الوطنية الغذائية والزراعية .
في الإقتصاد السياسي والمجتمع
رئيس مرصد مؤشر المستقبل الإقتصادي