الأنباط -
عبدالفتاح محمد الشلبي/ مدير عام المؤسسة التعاونية الأردنية
يشكل قطاع التعاون أهميةً بالغةً في حياة الناس في الدول كافة، أفراداً، ومجتمعات محلية، لا سيما في المناطق الريفية التي تعاني من ارتفاع نسب الفقر والبطالة، ذلك لما يلعبه من أدوارٍ ايجابيةٍ على مختلف الصُعد، الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، من خلال الأنشطة والخدمات والمشاريع التي تنفذها التعاونية ضمن بوتقة جماعية تنصهر فيها المنافع الشخصية لكل فردٍ لصالح النفع العام للأعضاء التعاونيين، أساس العمل التعاوني.
يعتبر القطاع التعاوني، القطاع الثالث للتنمية وهو محرك أساسي للاقتصاد الاجتماعي, وذلك لقدرته على استقطاب مساهمات التعاونيين واستثمارها وتشغيل الأيدي العاملة، الأمر الذي يجعل منه وسيلة من وسائل تنمية المجتمعات المحلية، ويسهم في تنظيم الجهود وتركيزها، وزيادة الإنتاج من ناحية الكم والكيف، وتحسين النوعية، وزيادة التنافسية والاستفادة من وفورات الحجوم الاقتصادية والإنتاج الكبير, هذا بالإضافة إلى المساهمة في معالجة ظاهرتي الفقر والبطالة، وتوفير التعليم والتدريب، وتعزيز الأمن الغذائي، والاهتمام بالمجتمع الحاضن للتعاونيات.
ومن منطلق المفاهيم والمبادئ الرئيسة العالمية التي تحكم منظومة التعاونيات، تنظر المؤسسة التعاونية الأردنية إلى قطاع التعاون من منطلق الحاجة والضرورة في الوقت معاً، الحاجة إلى إحداث نهضة في هذا القطاع الحيوي لإعادة الألق إلى الحركة التعاونية الأردنية والمضي قدماً بها نحو الازدهار والانتعاش، والضرورة في التوسع بنشر الفكر والثقافة التعاونية في المجتمع الأردني، لا سيما بين فئتي الشباب والنساء في ظل سعي المؤسسة التعاونية إلى أوسع مشاركة في العمل التعاوني.
لقد تطلعت القيادة السياسية في البلاد برؤية مستقبلية مفعمة بالتفاؤل نحو قطاع التعاون منذ مطلع خمسينات القرن الماضي، عبر العمل على توفير الدعم اللازم لبناء حركة تعاونية أردنية فاعلة في المجتمع، كانت نواتها تأسيس أول تعاونية في المملكة، وهي جمعية غور المزرعة وحديثة للتوفير والتسليف في محافظة الكرك عام 1952، ليصل عدد التعاونيات بمختلف أشكالها مع مرور سبعة عقودٍ على انطلاق المسيرة المباركة للحركة التعاونية نحو 1500 تعاونية، موزعة على امتداد محافظات الوطن، وعدد الأعضاء التعاونيين ما يقارب 135 ألف عضو، فيما يقدر إجمالي قيمة موجوداتها بأكثر من 220 مليون دينار.
وانطلاقاً من التوجيهات الملكية السامية التي أكدت على أهمية التعاونيات كحاضنة للأعمال الريادية، ودورها في تعزيز مسيرة التنمية المستدامة الشاملة، والتزاماً من الحكومات المتعاقبة بإيلاء القطاع التعاوني الأردني جُلّ الرعاية والاهتمام، ما انفكت المؤسسة التعاونية الأردنية عن القيام بمهامها في خدمة الجمعيات التعاونية، وبذل المزيد من الجهود على المستويين المحلي والدولي؛ للنهوض به، وتجلى ذلك منجزاً يشار إليه بالبنان بإعدادها استراتيجية وطنية للحركة التعاونية الأردنية للأعوام (2021- 2025) بالتعاون مع منظمة العمل الدولية.
هذه الاستراتيجية التي رأت النور تموز الماضي 2021، ودخلت خطتها للعامين الأوليين (2021-2022) حيز التنفيذ بإعادة النظر بالتشريعات الناظمة للعمل التعاوني، وإرسال المؤسسة التعاونية مسودة مشروع قانونٍ معدلٍ لقانون التعاون يتناغم مع متطلبات ومخرجات الاستراتيجية وفق أسس ومبادئ العمل التعاوني الدولي، إلى رئاسة الوزراء لاقراره وفقاً للقنوات الدستورية المرعية والمتبعة لهذه الغاية.
وفقاً لنتائج الاستراتيجية، ستعمل المؤسسة مع شركائها على إيجاد بيئة مواتية للحركة التعاونية بما يضمن تعديل وتحديث التشريعات التعاونية، وإعادة هيكلة المؤسسة التعاونية لضمان تقديم خدمات أفضل ومستدامة للجمعيات التعاونية, إضافة إلى إنشاء الاتحادات التعاونية النوعية والإقليمية والقطاعية في ظل ما تبنته رؤية التحديث الاقتصادي من مبادرات ضمن محور الزراعة والأمن الغذائي، والتي من أبرزها تأسيس منظومة الجمعيات التعاونية والاتحادات الزراعية.
كما كان أحد أهم نتائج الاستراتيجية ضرورة خلق بيئة خدمية فعالة للتعاونيات والاتحادات من خلال إنشاء معهد التنمية التعاوني، وصندوق التنمية التعاوني كنافذة تمويلية للتعاونيات، جنباً إلى جنب إنشاء مديرية التدقيق التعاوني من جهة وتوفير قاعدة بيانات إحصائية للتعاونيات، وضمان وجود تعاونيات مستقلة تعتمد على ذاتها، وتقدم خدمات فعالة للأعضاء من جهة أخرى، ما يتطلب تحسين الوعي العام حول التعاونيات، والترويج لأنواعٍ وأشكالٍ جديدةٍ منها، فضلاً عن تعزيز مشاركة النساء والشباب والقطاع غير الرسمي في العمل التعاوني.
بذلك، ترسم الاستراتيجية بمخرجاتها ونتائجها رؤيةً متجددةً وناهضةً للقطاع التعاوني ستلبي بتطبيقها الطموحات المرجوة، كما وأنها تتساوق مع الخطة الوطنية للزراعة المستدامة لعام 2022، وتوصية منظمة العمل الدولية رقم (193)، وتقارير الأمم المتحدة والتحالف التعاون الدولي ذات الصلة بالعمل التعاوني.
فضلاً عن توافقها أي الاستراتيجية مع طروحاتِ رؤيةِ التحديث الاقتصادي التي حظيت برعايةٍ ملكيةٍ ساميةٍ من لدن جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين، ومواكبةٍ حكوميةٍ دؤوبة لها منذ بدء العمل على وضع ملامحها وتصوراتها لحين الوصول إلى الصيغة النهائية لهذا الرؤية التحديثية للاقتصاد الوطني.
اليوم، يشارك الأردن دول العالم الاحتفال بيوم التعاون الدولي الـ100 لهذا العام، والذي يصادف أول يوم سبتٍ من شهر تموزٍ من كل عام، تحت شعار "التعاونيات تبني عالماً أفضل" (Cooperatives Build a Better World)، بالتزامن مع احتفاء التحالف التعاوني الدولي بهذه المناسبة العالمية السنوية، ومرور عشر سنوات على إعلان الأمم المتحدة عام 2012 ، عام التعاونيات، والتي تهدف إلى إذكاء الوعي بالتعاونيات وتعزيز الهوية التعاونية، والتأكيد على دورها الاقتصادي والاجتماعي والتنموي من خلال إبراز مساهماتها في حل المشاكل الرئيسية التي تتصدى هيئة الأمم المتحدة لحلها، وكذلك لتعزيز الشراكات ولتوسيعها بين أطراف الحركة التعاونية الدولية والجهات الفاعلة الأخرى، وتعزيز حضورها ضمن منظومة الاقتصاد الاجتماعي التضامني.
سيأتي احتفال المؤسسة التعاونية الأردنية بيوم التعاون الدولي خلال هذا الشهر؛ ايماناً منها بأهمية العمل التعاوني، ومنطلقاته الفكرية وقيمه الانسانية في بناء حركة تعاونية حيويةٍ وفاعلةٍ في المجتمع؛ مما يؤكد على مركزية واستقلالية القطاع التعاوني إلى جانب القطاعات الأخرى في المساهمة ببناء اقتصادات الدول، ورفعِ سويةِ المجتمعات، معيشياً واجتماعياً وثقافياً، خاصةً وأن قطاع التعاون كما ذكرنا يُعتبر قطاعاً ثالثاً، وحلقة وصل ما بين القطاعين العام والخاص، ورافداً غير رسمي لعجلة الاقتصاد، وركيزةً تنموية.
وابتهاجاً بهذه المناسبة العالمية، ولِما لها من أهمية لدى كافة الجهات المرتبطة إشرافاً وعملاً بالقطاع التعاوني، ستقيم المؤسسة التعاونية الأردنية احتفالاً بيوم التعاون الدولي، ومعرضاً لمنتجات الجمعيات التعاونية أواخر الشهر الحالي، وترى في المناسبة متسعاً رحباً للإعلان عن إطلاق شعارٍ جديدٍ لها، يحمل في مضامينه رؤى متجددة لحركة تعاونية مزدهرةٍ ومستقلةٍ ومعتمدةٍ على ذاتها تصبو إلى تحقيق تطلعاتها المستقبلية بما أُوتيت من عزيمةٍ وقوةٍ، ويجسد في رسمه وألوانه المستوحاة من الهوية الوطنية الأردنية معاني الانتماء والولاء للوطن، قيادةً وأرضاً وشعباً.