الأنباط -
ولادة روائي اردني ...
كتب المهندس علي كريم
حدثني ابني بأنه يقرأ هذه الايام رواية لروائي اردني اندمج بها لحد انه يستصعب التوقف عن القراءة فاندهشت لهذا الخبر وقلت بنفسي لا شك ان لهذه القصة قصة لانني اعرف ان معظم قراءاته تكون من شاشة الحاسوب وليس من كتاب مكتوب كما أن معظم قراءاته تنحصر فيما يخص عمله وليس له في الروايات والقصص نصيب، وهو يعرف شغفي بالقراءة ولاحظ اهتمامي عندما طلبت منه ان يسلفني الكتاب عند الانتهاء منه وبعد يومين وصلتني نسخة عذراء ممهورة بعبارة اهداء مناسبة.
نظرت لغلاف الكتاب وقرأت اسم المؤلف فلم أذكر أنني قد سمعت به أو قرأت له ونظرت لعنوان الكتاب (ظل الغراب) فتطيرت، فالغراب آخر ما نتمنى أن يطالعنا في الصباح وأول ما ندعو ألا يزورنا في منامنا بالمساء.
هكذا اعتدنا أن نكره الغراب مع أنه حسب علمي طير بيتوتي يمتاز عن الانسان بأنه مخلص لزوجته لا يخونها ولا يستبدلها كما أنه يطعم أولاده حتى الشبع قبل أن يأكل، فإن وجد بقايا طعام يتذوقه أولا فإذا استساغه ينقله بمنقاره ومخالبه إلى عشه لإطعام المدام والأطفال قبل ان يأكل ويشبع.
صحيح له صوت مزعج ولكن كم منا لهم أصوات شبيهة عندما ينافقون أو يكذبون... صحيح أيضا أن لونه اسود يبعث على التشاؤم ولكن انظروا الى معظم سيارات علية القوم فكلها تقريبا بلون الغراب لان وكيل احد السيارات عمم مقولة "الأسود ملك الألوان"
نعود للكتاب فعادتي قبل الغوص بقراءة أي كتاب جديد أبدأ بقراءة ما كتب على الغلاف الأخير كي أعرف المزيد عن الكاتب وقد يكون فيها ذكر لمؤلفاته السابقة والمراكز التي شغلها وربما عن غزواته ونياشينه إن كان من أهل الغزوات والنياشين، فلم أجد شيئا من هذا القبيل بل وجدت أسطرا قليلة تخبرني قليلا عن قصة الرواية.
وعادة وقبل أن أقرر أن أقرأ الكتاب أو ارميه عادة أفتح صفحة المقدمة التي عادة ما تكون مهداة من كاتب شهير أو سياسي خطير أو وزير كبير يتحنن على الكاتب المسكين ليقلل من احباطه وبعضهم يضعون الكاتب في مرتبة بين شكسبير وطه حسين .
فتحت صفحة المقدمة فوجدت أن الكاتب اسماها توطئة كتبها من أسطر قليلة بدأها بعبارة (هذه القصة حقيقة أو قد تكون حقيقية بالفعل) وفي نهاية أسطر التوطئة عاد واكد (انها قصة قد تكون حقيقية تماما كحقيقة وجودنا)
ما قصة القصة وما هي حقيقية الحقيقة التي يشير لها الكاتب ؟
الموضوع كما فهمته من سياق الكتاب أن الكاتب مهندسا مختصا ببرجمة برامج الحاسوب وله طموحات لتوسيع اعماله ففكر واستخار وقرر غزو سوق بلاد البنغال في أقصى الشرق وطار إلى دكا عاصمة تلك البلاد وبعد وصوله بعدة أيام أغلقت الكورونا أجواء وموانئ ومطارات العالم واستبقي هناك رغما عنه ومن حسن حظه فإن حكومتنا لم تفتتح منصة للمواطنين الراغبين بالعودة من دكا إلى مراكز الحجر في الوطن ربما لأنهم لا يتوقعون أن يكون أي أردني مهم علقان هناك وربما لإنه لم يتقدم اي مواطن مهم لاستعادة ابنه من هناك.
كاتبنا على ما يبدو انسان عملي فاستغل وجوده في الغربة مستعينا بأوراق وقلم وبكثير من فناجين القهوة وآلاف من السجائر وبدأ تجربته الاولى بكتابة الرواية.
بعد كل هذا زاد شوقي لمعرفة كامل القصة وتفرغت للكتاب صبيحة يوم الجمعة وبعد جلسة واحدة من ساعات عديدة بدون توقف وبدون استراحة للتنفس كما يقولون في السجن، نعم بدون توقف انهيت ثلثي الكتاب واضطررت للتوقف لاستقبال بعض الزوار.
استيقظت في اليوم التالي وكلي تلهف لاعرف "ما هو التالي؟" وقضيت سويعات قليلة أنهيت فيها الكتاب من الغلاف إلى الغلاف وأسفت في النهاية أنه انتهى فقد عشت مع بطل القصة في ترحاله وأحداثه، عشت معه في جلساته في شرفة بيته المطلة على البحيرة وجلست صامتا فيها استمع لحديثه مع صديقه الغراب الذي نافسه في بطولة الرواية، نعم شاركته بزيارة المقبرة المهجورة وساعدته بسحب الكنز الذي وجدناه في القبر المهجور شاركته العذاب في سجنه كما رقصت معه عند شيخ الصوفيين وأنا اكرر مع الجمع الله الله على قرعات الدفوف المدوية وشاركته العودة الى الوطن عبر رحلة طويلة عبر دبي والقاهرة.
لن أسرد لكم أكثر من هذا كي لا احرمكم لذة الشوق لمعرفة التفاصيل عندما تقرأون الكتاب، أنا تعلقت بالكتاب وتمتعت بجميل السرد ورشاقة الانتقال بين الأحداث وباعتقادي أن هذا الكتاب يجب آن يقرآ مرتين الأولى للمتعة والثانية تكون متأنية لحل ألغاز وطنية ضمنها المؤلف بين السطور .
الرواية تصلح لأن تكون نواة للسينما الاردنية لننافس على الاوسكار إذا وجدنا التمويل والاخراج اللائقين بها... وأعتقد اننا بهذا الكتاب كسب الاردن روائيا من مستوى رفيع.
اسم الكتاب (ظل الغراب) والكاتب هو (سعيد الصالحي)