البث المباشر
ولي العهد يهنئ أبناء الطوائف المسيحية بقرب حلول عيد الميلاد أبو حسان يرعى أعمال ندوة حوارية حول التحديث السياسي أمين عام وزارة الخارجية ومساعدة وزير الخارجية الهندي يوقعان مذكرة تفاهم الأردن والهند يصدران بيانا مشتركا في ختام زيارة رئيس الوزراء الهندي إلى الأردن وزير العدل: سنطور خدمات كاتب العدل بما يسهل على المواطنين ويخدم مصالحهم البتراء: أيّ سحر يسكن الوردة الصخرية؟ إعجاز الزمان والمكان والإنسان الجامعة الأردنيّة ترتدي ثوب الفرح ابتهاجًا بتأهل منتخب النشامى لنهائي بطولة كأس العرب 2025 العودات يحاضر في أكاديمية الشرطة الملكية مركز العدل يختتم مشروع "مسارات بديلة" ويحتفل بشركائه وإنجازاته هيئة تنظيم قطاع الاتصالات تطلق فعاليات ورشة العمل المتخصصة حول " إدارة الطيف الترددي للاتصالات المتنقلة " رحلة الغاز الأردني بين التهميش والحقائق المثبتة الدفء القاتل: حين تتحول المدافئ في الأردن من وسيلة نجاة إلى حكم إعدام صامت راصد: موازنة 2026 أقرت بنسبة 62٪ من إجمالي النواب اتفاقية تعاون بين " صاحبات الأعمال والمهن" والوكالة الألمانية للتعاون الدولي ألحان ياسر بوعلي ترافق ثامر التركي في وداع ٢٠٢٥ اللسانيات وتحليل الخطاب عمان الأهلية تشارك بمؤتمر الجمعية الأمريكية للنطق واللغة والسمع السفارة القطرية في الأردن تحتفل بالعيد الوطني.. وآل ثاني يؤكد العلاقات التاريخية مع الأردن المنتخب الأردني… طموح وطني وحضور مشرف في المحافل الدولية الكلالدة يحاضر بالأردنية للعلوم والثقافة حول مدينة عمرة من منظور فني شامل.

الماء والطين: أصل الخَلق وبذور الحياة

الماء والطين أصل الخَلق وبذور الحياة
الأنباط -
أ. د. اخليف الطراونة 
أَوَلَمْ يَرَ الْإِنسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِن نُّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ﴾

[ يس: 77]

هكذا يصوّر القرآن الكريم بداية الإنسان في أضعف صوره، من نطفة في "قرار مكين” كما سماه الله، أي في الرحم، حيث الحفظ والإعداد. وقبل هذه المرحلة، تخبرنا آيات أخرى عن أبينا آدم عليه السلام:﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن سُلَالَةٍ مِّن طِينٍ﴾

[ المؤمنون: 12]

فيجمع الخلق بين الماء والتراب… بين السائل والمادة… بين الحياة والكتلة.

إنها المعجزة الكبرى: أن يُخلق الإنسان من طين، أي من مادة الأرض التي نطأها بأقدامنا، ونبني منها بيوتنا، ونزرع فيها قوتنا، ونُوارى فيها بعد الرحيل. ولو تأملنا هذا التركيب لوجدنا فيه من الدروس ما يزهر في عقولنا ويثمر في سلوكنا.

الطين لا يكون طينًا إلا إذا امتزج بالماء. فالماء هو سرّ الحياة، والطين هو رمز التكوين، وما بينهما تسير الحياة الإنسانية. فكما أن الزرع لا ينبت إلا من طين سُقي بماء، فإن الأخلاق لا تنمو إلا في قلب رُوي بالإيمان والعلم. وكما تحتاج البذور إلى بيئة صالحة لتنبت، يحتاج الإنسان إلى بيئة تربوية حاضنة ومُغذية.

فمن الجانب الاجتماعي، نرى أن الإنسان الطيني لا يستطيع أن يتكبر على غيره؛ لأن أصله من تراب. وكل من على الأرض، مهما بلغ من جاهٍ أو مال أو علم، سيعود إلى التكوين ذاته: طين يذوب في طين. وهنا تتجلّى دعوة الدين إلى التواضع، والتكافل، وعدم نسيان الأصل الواحد.

ومن الجانب التربوي؛ نحن مدعوون لأن نُعيد للناشئة هذه الحقائق في مناهجنا وحواراتنا: أن قيمة الإنسان ليست في غلافه المادي، بل في ما يحمله من فكر وسلوك، وأن التربية الحقيقية تُماثل الزراعة في جوهرها: تحتاج لتهيئة التربة، وريّ الفكر، وانتظار النمو بصبر وعناية. والمربي هو الفلّاح، والمعلم هو الساقي، والطالب هو البذرة القابلة للنماء.

أما من الجانب الفلسفي؛ فإن اجتماع الماء والطين يُمثل التوازن بين الثابت والمتغيّر، بين المادة والروح، بين الجسد والعقل. وبهذا التوازن، يُصبح الإنسان مؤهلاً لحمل الأمانة، والتفكر في ملكوت الله، والسعي في إعمار الأرض.

وفي ظل ما نراه اليوم من تغيّر المناخ، وتناقص المياه، وجفاف الأراضي، تصبح الزراعة ليس فقط قطاعًا اقتصاديًا، بل مرآة لقيمنا وأولوياتنا. فكما نحافظ على الأرض ونرويها، يجب أن نحافظ على عقولنا ونغذيها. الزراعة ليست مهنة، بل رؤية: أن نزرع الخير في الأرض كما نزرعه في الناس، وأن نسقي العقول كما نسقي الحقول.

إن أعظم ما نعلّمه لأبنائنا، أن الله خلقهم من طين، وسوّاهم بيده، ونفخ فيهم من روحه… وأنهم كما يزرعون في الأرض يحصدون في حياتهم. فإذا أردنا بناء أجيال تعرف أصلها، وتحترم بيئتها، وتؤمن بقيمة العمل، فلتكن مناهجنا وأحاديثنا اليوميّة مُنصبّة على هذا التكامل: بين الإيمان والمعرفة، وبين الطبيعة والإنسان، وبين الأصل والمصير.

فلنتذكّر دومًا أننا من ماءٍ وطين… فهل نغرس في نفوس أبنائنا ما يجعلهم يثمرون خيرًا كما تُثمر الأرض حبًّا؟

هذا ما نأمله ونتطلع إليه بثقة ورجاء.

ــ الراي
© جميع الحقوق محفوظة صحيفة الأنباط 2024
تصميم و تطوير