البث المباشر
بعد ليلة من الصمود.. النشامى إلى نصف النهائي لمواجهة السعودية المنطقة العسكرية الشرقية تحبط محاولة تسلل على إحدى واجهاتها فتح باب التقديم للدورة الأولى من جائزة زياد المناصير للبحث العلمي والابتكار الصحة العامة .. من خدمة اجتماعية إلى ركيزة أمن قومي الكهرباء الأردنية تؤكد سرعة استجابتها للبلاغات خلال المنخفض الجوي الأرصاد: تراجع فعالية المنخفض واستقرار نسبي على الطقس وزارة الإدارة المحلية تتعامل مع 90 شكوى خلال الحالة الجوية توقف عمل "تلفريك" عجلون اليوم بسبب الظروف الجوية إخلاء منزل في الشونة الشمالية تعرض لانهيار جزئي أجواء باردة في أغلب المناطق حتى الاثنين المصدر الحقيقي للنقرس دراسة : الاكتئاب الحاد مرتبط بخلل المناعة كيف يمكن لوضعية النوم أن تهدد الصحة الجسدية والعصبية؟ انطلاق مرحلة قرعة الاختيار العشوائي لبطولة كأس العالم فيفا 2026 إدراج شجرة زيتون المهراس على قائمة التراث الثقافي غير المادي الارصاد : تراجع فاعلية المنخفض الجمعة... التفاصيل للايام القادمة. الأردن والإمارات: ضرورة الالتزام بوقف النار في غزة وإدخال المساعدات 4 وفيات من عائلة واحدة بتسرب غاز مدفأة في الزرقاء الأرصاد: الأمطار تتركز الليلة على المناطق الوسطى والجنوبية وزارة الأشغال تطرح عطاء لإعادة إنارة ممر عمّان التنموي بالطاقة الشمسية

هل يتعاطف الأردنيون مع غزة؟

هل يتعاطف الأردنيون مع غزة
الأنباط -
بقلم: د. عامر بني عامر

في كل مرة تشتعل فيها غزة تحت نيران الاحتلال، تنكشف جبهتان في آنٍ معًا: جبهة النار هناك، وجبهة الإدراك هنا، وإذا كانت الأولى ميدانية، فإن الثانية وُجدانية – سياسية – مجتمعية. سؤال "هل يتعاطف الأردنيون مع غزة؟" ليس تساؤلًا عن موقف شعوري، بل استدعاء عميق لمكانة القضية الفلسطينية في وجدان الأردني الذي لم تغب عنه القضية يوماً، وامتحان دقيق للعلاقة بين المواطن ودولته، ولجدوى الرواية الوطنية في مواجهة الانقسام والانفعال والالتباس.

الواقع يُثبت أن الأردنيين، بكل تنوعاتهم، يتضامنون مع غزة ويقفون معها بكل ما يملكون بوصفها جرحًا عربيًا نازفًا، ووجعًا أخويًا، وقضية إنسانية عادلة لا يسع الضمير إلا الانتصار لها، لكنّ ما يثير الانتباه، بل والتساؤل، أن كل موجة تضامن شعبي باتت تقابلها موجة موازية من التشكيك، لا تستهدف العدو الخارجي فحسب، بل تصوّب سهامها نحو مؤسسات الدولة، بل نحو فكرة الدولة ذاتها أحيانًا.

في الأيام الماضية، ومع بدء الأردن بإرسال مساعدات إنسانية إلى غزة، شهدنا عاصفة من الاتهامات والتشكيك، لم تقتصر على أطراف خارجية، بل برزت – وبحدة – من الداخل، صفحات ومنصات وشخصيات حاولت النيل من الموقف الأردني، والتشكيك في نواياه، وتحميله ما لا يحتمل، وهنا لا بد من التوقف: ما الذي يدفع شريحة من المجتمع إلى الطعن في مواقف إنسانية وأخلاقية واضحة؟ ولماذا تتكرر هذه الحالة في كل مناسبة؟ المشكلة ليست في غزة، بل في تمثيل الدولة للشخص ذاته، ولثقته بالدولة.

هذه الفجوة لا تنشأ من فراغ. ثمة غياب لرواية وطنية جامعة، وأدوات قادرة على احتواء التنوع، وآليات لتوجيه الانفعال، وتحصين الوعي. لقد تراجعت السردية المركزية التي تؤسس للتوافق، أمام صعود روايات جزئية – دينية أو جهوية أو فئوية – تُحرّك الجماهير لحظيًا، لكنها لا تبني مشروعًا وطنيًا طويل النفس.

يوازي ذلك تحوّل عميق في المزاج المجتمعي. فالأردن، بطبيعته المحافظة، بات يشهد تصاعدًا في أنماط التدين الاجتماعي، بعضها وسطي، وبعضها انفعالي، وبعضها الآخر مؤدلج. وهذا الواقع المعقد المركّب يُحتّم على الدولة ألا تكتفي بصناعة الخطاب، بل أن تراجع أدواتها المؤسسية والتعليمية، وأن تدرس اتجاهات الوعي المجتمعي بعناية: هل نحن أمام تدين مستنير؟ أم حالة اجتماعية تعبوية؟ وهل مؤسسات الدولة التربوية والإعلامية تسير في الاتجاه الصحيح، أم اجتهادات لحظية تبنى على رد الفعل أكثر منه فعلاً.

وهنا يُطرح السؤال الجوهري: من يمنح الشرعية في اللحظات الحرجة؟ هل هي الرغبة في إرضاء الخارج أو كسب جمهور رمزي؟ أم أن الشرعية الوطنية – المتجذرة في العقد الاجتماعي، والعدالة، والانتماء – هي الأصل الذي ينبغي ترسيخه وتعزيزه؟ الإفراط في تغليب الشرعيات الدينية أو القومية على حساب الشرعية الوطنية قد يُضعف الرابط الداخلي، ويعيد إنتاج الارتياب الشعبي بدل الانتماء المتين.

إن ما كشفته غزة مؤخرًا لا يقتصر على وحشية وفظاعة العدوان، بل يُظهر دقة التحديات في البنية الداخلية، هناك قوى داخلية تنتهز كل مناسبة لتأليب الرأي العام، والتشويش على الرواية الوطنية والتشكيك بها، والتقليل من ثقة المواطن بدولته. ولهذا، لم يعد كافيًا أن نردّ على كل موجة تشكيك، أو نُصدر بيانات بعد كل أزمة، ما نحتاجه حقًا هو سردية أردنية وطنية واضحة، نابعة من الشرعية الداخلية، ومتسقة مع القيم الأخلاقية الوطنية، دون أن تُدار على حساب أولويات الدولة ومصالحها العليا.

نحن بحاجة إلى دولة مركزية قوية، نعم، لكننا بحاجة أكثر إلى أدوات قادرة على الإقناع، تحترم وعي مواطنيها، وتُدير الاختلاف لا تكمّمه، وتنتج خطابًا وطنياً يعيد الثقة، ويُفعّل الانتماء، ويوطّد العلاقة بين المجتمع ومؤسساته.

وفي الختام، يبقى السؤال مؤرقًا: هل ما زال الأردني يشعر أن هذه الدولة تمثّله وتعبر عنه؟ لعلّ غزة لا تمنحنا إجابة، لكنها توقظ فينا هذا التساؤل في كل مرة، بإلحاح يتجاوز حدود السياسة، ليمس جوهر العلاقة التي تربط المواطن بدولته."
© جميع الحقوق محفوظة صحيفة الأنباط 2024
تصميم و تطوير