جرار: إلغاء التأشيرات لمؤيدي حماس هو تنفيذ لوعود رئاسية لحماية الأمن الوطني
أيوب: ترامب يعيد أمريكا إلى عصر التمييز العنصري عبر سياسات هجرة قاسية
الشوبكي: هذه الإجراءات هي إرضاء للكيان الصهيوني
الأنباط – رزان السيد
أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية عن اتخاذ إجراءات صارمة ضد الأشخاص المؤيدين لحركة حماس، متوعدة بإلغاء تأشيرات الإقامة ومنح تأشيرات جديدة لأولئك الذين يتم تحديدهم كمؤيدين للحركة أو داعمين لها، مشيرة إلى أن هذه الإجراءات ستشمل كافة الأفراد الذين شاركوا في احتجاجات الشوارع والجامعات، أو أولئك الذين قاموا برفع علم فلسطين أو حرق علم إسرائيل في أي مناسبة.
وذلك بعد تصريحات المتحدث باسم الوزارة، في بيان رسمي، بأن القرار يأتي في إطار تعزيز الأمن القومي الأمريكي ومكافحة أي نشاطات أو تحركات ترتبط بالجماعات التي تعتبرها الولايات المتحدة إرهابية، وأكد أن أي شخص يتم تحديده كمؤيد لحماس سيكون عرضة لإلغاء تأشيرة الإقامة الخاصة به، وسيتم ترحيله بشكل فوري من الأراضي الأمريكية.
والخطوة الأبرز في هذه الإجراءات هي قرار منع الطلاب الذين يعتبرون مؤيدين لحماس من الحصول على أي شهادات مدرسية أو جامعية معترف بها، بالإضافة إلى عدم تصديق أية شهادات أو وثائق تخصهم، القرار يهدف إلى منع هؤلاء الأفراد من الاستفادة من النظام التعليمي الأمريكي في المستقبل، ويعد سابقة في كيفية معالجة الأنشطة السياسية التي تعتبر تهديدا للأمن القومي.
وبناء على وزارة الخارجية الأمريكية فإن هذا القرار يتماشى مع السياسات الأمريكية المستمرة في محاربة الإرهاب، مشيرة إلى أن الولايات المتحدة لا تستطيع السماح بأي أنشطة تعزز من تواجد أو دعم الجماعات المصنفة إرهابية داخل حدودها.
وفي هذا السياق، بيَن الكاتب السياسي الأمريكي الأردني، والمتخصص في دراسات السلام، بشار جرار، بأنه لا صحة على الإطلاق لإلصاق قرارات إلغاء تأشيرة أو إقامة بأي من حقوق التعبير أو الاعتقاد أو المواقف السياسية والإعلامية عموما، مشيرا الى أن القرار الذي اتخذته الخارجية الأمريكية يستند إلى أمر تنفيذي رئاسي، وهو في الأصل وعد انتخابي بأن يتم طرد مؤيدي حماس وحزب الله وغيرها من التنظيمات المدرجة على لائحة الإرهاب في أمريكا من الجامعات والبلاد.
وأوضح بأن الأمر بدأ إثر أعمال شغب وتخريب واحتلال مبان تضم قاعات دراسة في جامعات من بينها جامعة "كولومبيا" العريقة والمرموقة عالميا في مدينة نيويورك، ورغم تزامن تلك النشاطات مع التظاهرات، طالبت إدارة الرئيس السابق جو بايدن بالضغط على إسرائيل لوقف إطلاق النار في غزة، إلا أنها بدأت تثير تحفظات ومن ثم انتقادات لتحول الأمر من الدعوة إلى السلام، إلى دعم حماس وحزب الله، ومن الدعوة إلى وقف القصف الذي سقط فيه مدنيون فلسطينيون عزّل في قطاع غزة، إلى تبرير ما جرى في السابع من اكتوبر 2023 إلى حد "تمجيد" خطف الرهائن ومن بينهم أطفال ونساء ومسنين، مما تم تسجيله من مخالفات قانونية أيضا قيام بعض الناشطين من فلسطينيين وعرب وأمريكيين بالمشاركة.
وأشار جرار خلال حديثه لـ "الأنباط"، أن هذا الأمر اعتبر منافيا لقوانين التظاهر، كنزع صور الرهائن المدنيين الإسرائيليين من أماكن عامة في ولايتي نيويورك ونيوجيرسي، إذ كانت التجمعات كبيرة نسبيا من اليهود الأمريكيين ومزدوجي الجنسية من الأمريكيين الإسرائيليين، كما أثار رفع رايات حماس وحزب الله وحتى طالبان والقاعدة وإيران موجة حادة من الاحتجاجات، لا سيما بعد قيام ناشط بحرق العلم الأمريكي ودوسه، وآخر برفع العلم الفلسطيني أمام النصب التذكاري لكريستوفر كولومبوس ومحطة القطارات والباصات المركزية عبر أمريكا في قلب العاصمة واشنطن دي سي.
كما أضاف بأن كل ما تقدم وأكثر تم رصده وتجميعه ومتابعته إعلاميا، سياسيا وقانونيا وقد استمال به الرئيس دونالد ترمب الكثير من الأصوات اليهودية في تلك الولايتين إضافة إلى ولاية بنسيلفانيا المتأرجحة التي كسبها، والولايات الأخرى الستة، مخالفا توقعات ما يعرف بتيار الصحافة الرئيسي "مين سترييم ميديا" الذي ثبت تسييسه في ملفات كثيرة لا تقتصر على الانتخابات.
وتابع جرار، بأن ما جرى وسيجري ليس عملا انتقاميا ولا حتى عقابيا، ما يحدث هو تنفيذ للقوانين الأمريكية واحتراما للقيم التي قامت عليها أمريكا وهي "تنتهي حريتك عندما تبدأ حرية الآخرين"، ورفض التعبير العنيف ودعم الإرهاب دون تحفظ، حتى الشعارات مكتوبة أو هتافا وقع فيها بعض الناشطين بمحاظير قانونية وصلت إلى الاتهام بدعم الإرهاب ومعاداة السامية، مشيرا الى أن شعار "من النهر إلى البحر" مثلا يعتبر في أمريكا من الناحية القانونية متماشيا مع دعوة إيران مثلا إلى إزالة إسرائيل عن الخارطة، والخلط بين اليهودية والصهيونية أصبحت قضايا حافلة بالإشكالات القانونية والسياسية، ليس في أمريكا فقط بل في معظم الدول الأوروبية خاصة فرنسا وبريطانيا وألمانيا.
أما ما يتردد عن الإجراءات التأديبية اكاديميا كالفصل النهائي أو المؤقت وعدم تصديق الشهادة، فقد أكد جرتر بأن هذا الأمر يعتبر من المسائل المتفاوتة حسب الولايات والجامعات، ومسائل قد يكون فيها الكثير من الأخذ والرد في المحاكم، والأمر لم يتوقف عند حرم الجامعة الذي ثبت أنه تم انتهاكه من مجموعات ليسوا بطلبة تلك الجامعة -كولومبيا-، ولا حتى من الطلبة أصلا، وبعضهم من المقيمين غير الشرعيين، إذ زادت التجاوزات إلى حد تبرير قرار جهات إنفاذ القانون كمكتب التحقيقات الفدرالي "إف بي آي" والشرطة المكلفة بتوقيف وترحيل المخالفين من الزوار أو اللاجئين المعروفة اختصارا ب "آيس" تبريرهم بدعم من وزارات الأمن الوطني والعدل والخارجية الأمريكية لإلغاء تأشيرات دراسة وحتى الإقامة المعروفة ب "الغرين كارد".
كما أشار جرار الى قضية الناشط محمود خليل، قائلا:" ما هي إلا البداية"، إذ أن ترامب عبر عن سعادته بقرار ترحيله عبر تغريدة عنوانها "شالوم محمود"، وتعهد هو ووزير الخارجية ماركو روبيو بأن ما جرى ما هو إلا البداية، أما إيلون ماسك مسؤول "دوج" أو وزارة الكفاءة الحكومية فقد قدم عونا عبر برمجيات الذكاء الاصطناعي التي عملت على مراجعة منشورات آلاف الطلبة عبر منصات التواصل الاجتماعي للتفريق بين ما هو إبداء للرأي و تعاطف وما بين خطاب الكراهية والتحريض على العنف والإرهاب.
واختتم حديثه بأن التحدي لا شك بأنه كبير، ولعلها فرصة للتعاون والتوعية إنقاذا لذوي النوايا الحسنة من التغرير بهم، تحت شعارات زائفة أو أغراض أبعد ما تكون عن الدعوة إلى السلام أو الحرية.
ومن جانب آخر، يرى المحلل السياسي، الدكتور سمير أيوب، بأن القرارات المتعلقة بأنصار فلسطين، هي قرارات سياسية انتقامية، تعد استكمالًا للعداء الأمريكي التاريخي تجاه فلسطين، كما هو الحال مع تزويد إسرائيل بالمقاتلين وأدوات القتل والتدمير، دون أي تمييز.
وأشار أيوب الى أن التدفق غير النظامي للمهاجرين جاء بسبب تحديات اقتصادية وسياسية، إذ إن هناك مئات الالاف من العرب اختاروا طريق الهجرة الى أمريكا، حتى لو كانت بطرق غير شرعية وغير قانونية، كخيار أفضل للعيش وفقا لوجهات نظرهم.
وأوضح بأن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أصدر بعد تنصيبه في 20 يناير/كانون الثاني 2025، أوامرا تنفيذية لتعزيز إجراءات إنفاذ قوانين الهجرة، وألغى سياسات سابقة كانت تحد من الأماكن التي يمكن أن تحدث فيها هذه الاعتقالات، والتي كانت تعتبر ملاذات آمنة، كالمستشفيات واماكن العبادة والمدارس وغيرها، إذ وضعت هذه الاوامرالتنفيذية وكالة الهجرة والجمارك؛ وهي وكالة فدرالية تابعة لوزارة الأمن الداخلي، منوط بها تطبيق قوانين الهجرة، في مواجهة مع مدن ترفض التعاون الكامل مع سلطات الهجرة الفدرالية، وتعرقل تنفيذ توجهات ترامب وتزيد من تعقيد الوضع.
وبناء على ذلك، تم توقيف وترحيل آلاف المهاجرين غير المسجلين في أنحاء الولايات المتحدة الى بلادهم الاصلية، ويُعتقد أن العدد الكبير من الأوامر التنفيذية الهادفة لإصلاح الهجرة ستطال 11.7 مليون مهاجر غير موثقين.
كما أثاراحتجاز المبعدين في مراكز لا تستوفي المعايير الانسانية، إذ تم استخدام طائرات عسكرية في عمليات الترحيل في ظروف تثير انتقادات دولية متزايدة وما رافقها من اجراءات غير انسانية تعامل المهاجرين على أنهم "مجرمين"، يحملون مكبلين بالأصفاد والسلاسل، مشيرا الى اعتراض الدول، حيث بعض هذه الدول رفضت استقبال مواطنيها المرحلين، ولكن بعد استخدام ترامب لضغوط اقتصادية تراجعت تلك الدول ووافقت على جميع شروط الادارة الاميركية.
وأوضح أيوب، في حديثه مع "الأنباط" بأن التصعيد في ملف الهجرة كان جزءاً من مجموعة من الإجراءات التي اتخذها ترامب منذ عودته إلى البيت الأبيض، تنفيذًا لتعهد قطعه على نفسه لوضع حد للهجرة غير النظامية، مشيرا الى أن هذه الإجراءات تزامنت مع سلسلة من الأوامر التنفيذية المتعلقة بسياسات الهجرة، التي تشوه سمعة المهاجرين وتدعو إلى تقليص الفرص المادية والقانونية للقبول في الولايات المتحدة، كما تستهدف حقوق المهاجرين بمحاولة إلغاء حق المواطنة بالولادة بطريقة غير دستورية.
ورغم أن السياسات التي يتبعها ترامب في مجال الهجرة تهدف إلى أن تبدو أكثر قسوة مقارنة بتلك التي اعتمدها الرؤساء السابقون، إلا أنها ليست جديدة، بل هي استمرار لتقليد أميركي طويل يعود لعدة عقود، يهدف إلى إقصاء الملونين من الأميركيين.
وبين أيوب بأن وراء هذا التضخيم رسالة واضحة مفادها أن أصحاب البشرة السوداء والبنية غير مرحب بهم في أميركا البيضاء العظيمة، فمن يتتبع قوانين الهجرة التي سنتها الولايات المتحدة منذ أواخر القرن الثامن عشر، سيلاحظ أن قانون التجنيس الذي صدر عام 1790 كان يقتصر على منح حق المواطنة للأشخاص البيض الأحرار فقط.
وأضاف أن اليمين الأوروبي المتطرف يثني على "إعصار ترامب"، مما يشير إلى أن الإجراءات الأميركية سيكون لها تأثير كبير على سياسات الهجرة في الدول الأوروبية التي تواجه تحديات مشابهة، وخاصة تلك التي تعد البوابات الرئيسية لتدفق المهاجرين غير النظاميين.
ومن جهته، أوضح الخبير الأمني والسياسي، محسن الشوبكي لـ "الأنباط"، أن الإجراءات الامريكية بإلغاء التأشيرات والاقامات لمؤيدي حركة حماس داخل الولايات المتحدة الأمريكية، واستخدام الذكاء الاصطناعي للبحث في مجال الانترنت حول مواقف الاشخاص قبل الحصول على التأشيرة، ليست جديدة، مشيرا بأنها جزء من اجراءات امريكية بدات منذ عام ١٩٩٧ ، وذلك عندما استهدفت الاجهزة الامنية الامريكية واجهات خيريه وماليه ترتبط بقيادات لحركة حماس في امريكا، إذ تم طرد العشرات منهم واغلاق مؤسسات ومحاكمة قيادات حماس أشرفت على هذه الواجهات، ومن أبرزهم موسى ابو مرزوق.
وبين بأن إعلان هذه الاجراءات من قبل الخارجية الاميركية، هو ارضاء للكيان الصهيوني، والذي ابدى غضبه على الحوارات التي دارات في قطر بين حماس والولايات المتحدة، علما بأن هذه الاجراءات مستمرة تحت بند محاربة الارهاب والتمويل المالي، كما ان وزير الخارجية الامريكي يعد من ابرز المؤيدين للكيان .
وأكد الشوبكي أن هذه الاجراءات ليست جديدة، ولم تتوقف مطلقا، واعلانها حاليا يأتي تأكيدا على العلاقات الاستراتيجية مع الكيان الصهيوني، موضحا بأن الاجراءات لا تتعلق بالإدارة الامريكية الحالية، إنما هي سياسة امريكية ثابتة.