الأنباط -
د. حازم قشوع
هي غنى النفس وعماد الذات وتقويم النهج فى بيت القرار الذاتي كما فى بيت العلاقات الموضوعي أو ما يعرف بالبيئه المحيطة للذات، وهذا ما يجعل من المرء يستغني عن متعلقاته وعلاقاته من باب إغناء النفس واستقلال الشخصية، كما يتيح له من اعادة تنظيم قوامه وبيان بوصلة توجهاته واتجاهاته، وهو ذات النهج الذي ينطبق على الحواضن الوجاهية كما على الحواضن الافتراضية في علوم الاستغناء، التي تعتبر سيادة وحالة الإغناء التي لا تعتبر نقصان بل زيادة، فكلما خفت العلاقات و ابتعد المرء عن الاسقاطات المحيطة حملت معها نتائج إيجابية وليست سلبية.
وهذا ما يجعل من الغناء ترادفها مسألة الاستغناء (النسك)، سيما وأن التعلق بذات خطوط العلاقات تجعل من المرء أسير له وكلما تقرب منها اكثر حملت معها نتائج سلبية أكثر على واقع المرء ومعيشته، وهذا ما ينطبق على المرء فى تفاعله المجتمعى كما فى معيشته العلمية والعملية، فإن الغنى لا يصنعه سوى الاستغناء من باب الله الغني وليس سواه، فهو المعطى وهو الميسر وهو المتحكم كما هو المسيطر، وهذا ما يجعل حالة الغنى لا تتشكل إلا بالاستغناء حتى عن منهجية موصلة أو عن علاقه مهما بلغت أهميتها وبلغ مدى تعلق المرء بها في مسلكيات الحياة.
ولعل منهجية الاستغناء بظروفها التقديرية وبما تستدعي من قوة وصلابة ارادة تعتبر الركن السليم للإصلاح، كما هي منهجية عمل تنطبق على المجتمعات كما تنطبق على الدول، وهو ما يجعل من منهجية الاستغناء تعرف بالمصطلحات السياسية بالاستقلالية الذاتية أو بيان الاعتماد على الذات وهي المنزلة التي يمكن تحقيقها عبر تدوير خطوط العلاقات عندما تكثر الضغوطات المحيطة وذلك بارتفاع مؤشر الضغوطات الموضوعية بلا نتيجة، فحالة الاشتباك وهذا ما يجعل من الانكفاء الضمنى فى بيان مؤشر الاستغناء الذاتى اعتباره حل على ان يأتى ذلك عبر جملة استدارة تحوي مشروع إنتاجي أو منهجية عمل تقود لصناعة منجز حتى لا تبقى الظروف الموضوعية ضاغطة على خطوط سير المناخات الإنتاجية، فعند زيادة خطوط الاشتباك في العلاقات البينية والحواضن المحيطة ويصبح بيت القرار يعيش حالة عتمه لا تساعد على بيان المسار فإن الاستغناء يصبح واجب، وهذا ما تقوله بطون الكتب الناتجة من التجارب الإنسانية في طريقة التعامل مع بيان اللحظات السياسية التي نعيش.
فان القراءات العلمية والمعرفية لحاله المرحلة الراهنة يستدعي تخفيف إيقاع الحركة الخارجية والتركيز على منهجية بنائية ذاتية، تقوم بمعالجة الكثير من الاعتلالات التي جاءت بها سياسة الاحتراز من ناتج طول فترة بقاء المنطقة تعيش حالة متأرجحة ودخولها في الظرف الراهن بحاله مفصلية، ينتظر أن تتغير معها المرجعيات السياسية بالشكل والمضمون والأطر القانونية وأنظمتها وتعليماتها، وهذا ما يجعل من الرتم المعاش بأدواته المستخدمة لا ينسجم مع ظروف المرحلة ولا مع أدبياتها المنهجية، وهو ما يجعل من أدوات العمل ووسائلها وسياساتها غير صالحة فى الحواضر الجديد فى ربط العلاقات او العمل على جلب منافع من نسيجها العام.
اعلم كما يعلم كثير من السياسيين أهمية العلاقات بين الدول، سيما فى المنظومه الامميه الواقعة كونها مسؤولة بشكل مباشر عن تشكيل محتوى الشرعية للأنظمة، عبر بيان الأدوار الوظيفية كما تقدم المجتمعات مسألة مشروعية القبول، لكن ما يجب على الجميع معرفته بأن اللحظات التاريخية التي نعيش والتى تنذر بحالة تبدل عميق فى بيت القرار الأممي والأمني والدبلوماسي كما السياسي، فإن مقتضيات المرحلة تستوجب على الدول النامية إدخال معادلة الاستغناء الى نهجها والاتكاء على ذاتها مع بعض التشكيلات المناطقية المجاورة، اجده مهم بهذه المرحله فان رفع الغطاء الدولي عن الأنظمة حل محلها معادلة الاستغناء السياسي.
فان انتقال أمريكا من مرجعية احتكام إلى نظام حكم مركزي وتحكم دولي يعتبر متغير عميق يستوجب التقويم، كونه يحمل حدث القرن وفاصل العصر الذى تستبدل فيه الخرائط السياسية للاوطان كما ستتغير عبره حالة المجتمعات نتيجة تغيرات تطال الجغرافية السياسية التي ينتظر ان تكون اكثر قومية بالمعنى الاثنى او المذهبي او العرقي منها للمدنية، كما يتم انهاء الأدوار الوظيفية من خانه المكانة التي كانت عليها منذ تأسيس المنظومة الدولية عام 1945 وفق الة احتكام جديده أخذ يتناولها بعض السياسيين وتبينها محصلة الكثير من التحليلات، وهذا ما يتطلب التغيير المنهجي في طبيعة الروابط المجتمعية وذلك بإعادة تقويم مداخلها من باب سد قناة وفتح اخرى بناءا على حالة الضغط الناتجة وطبيعة المتغيرات القادمة.
فان نظرية الاستغناء السياسي التي يتناولها البعض سيصعب تحقيقها إذا ما تم مواكبة اسقاطاتها بحركة إصلاحات داخلية تقوي المناعة المجتمعية في ظل تشكيل رياح موضوعيه عاصفة تستهدف تبديل الإطار الناظم للمرجعيات بانتهاء عصر سايكس وبيكو ذا المرجعية البريطانية الفرنسية، ودخول العالم فى توافقات جديدة فيها الإمبراطورية الأمريكية كما مجالاتها الجيواستراتيجية الروسية في السياق العسكري والأخرى الصينية فى الاتجاه المعرفي، وهو المتغير الذي ستكون ظلاله كثيرة كونه قادم من الصميم الجوهرى الذى يعتبر هذه المحطة التي يقف عليها برنامج القرن الجديد بالمحطة التاريخية الفاصلة وليس بالمفصله الواصلة، وهو المتغير الذي بحاجة للاستغناء عن شرعية المنظومة لصالح مشروعية اهليه تجعل من مستقرات الأنظمة قائمة ذات منعه على الاختراق وتحمل اهليه صلبة، وهى حالة الغنى الذاتي القادرة على مواجهة معادلة الاستغناء السياسي القادمة.
إن المجتمع الأردني بما يملكه من حالة منعه وما يتمتع به من حاله قوام للاسرة الاردنية المجذرة بهويتها العربية الراسخة والمبينة من مضامين رسالتها الخالدة، وبما تحمله من عقيدة عروبية هاشمية اصيله، وبما تشكله جغرافيتها السياسية الوازنة، وبما تقف عليه من واحة أمن وأمان، فإنها ستبقى تشكل الركن الصلب المتين وتحمل البنيان الراسخ المبين من اجل اعلاء خيمة الأمة وفى حمل قضاياها، فإن الأردن سيبقى يشكل بنهجه القويم منارة فكرية سياسية واعدة تحمل منطوق الضاد وتدافع عن رايته وتبذل مجهودات قويمة من أجل أمن المنطقة وبيان استقرارها خدمة للانسانية وقيمها التي تقف عليها راية المجد الهاشمي في منطقة مهد الحضارات، الأمر الذي سيجعل الأردن دائما يعمل بخطى واثقة لتحقيق الانجاز تلو الانجاز، ويقوم بدور بناء من أجل رفعة الأمة وخدمة قضاياها، وهو الأردن القادر على ترجمة حالة الغناء بروح من الاستغناء.