الأنباط -
حاتم النعيمات
تنشر حسابات إسرائيلية رسمية صورًا لخرائط تاريخية لمملكتين تاريخيتين (يهوذا وإسرائيل) تدّعي أنهما تمثلان تاريخ إسرائيل "الحالية" في المنطقة، والمرجع كالعادة رواية توراتية لا يمكن اعتمادها علميًا. ولو افترضنا -جدلاً- أن هذه الرواية معتمدة علميًا، فلا يمكن ربطها بهؤلاء المهاجرين الذين يحتلون فلسطين اليوم فهناك انقطاعات كبيرة في تاريخ اليهود في المنطقة. ولو تم افترضنا اعتمادها وربطها بمن يحتلون فلسطين اليوم، فهذا لا يعطيهم الحق باحتلالها؛ إذ إن وجود نص أو اعتقاد في الموروث الديني لأي شعب أو أمة أو ملة لا يمنحها الحق باحتلال أرض شعب آخر مهما كان.
بالعودة إلى الحاضر السياسي اليوم، خصوصًا فيما يخص الأردن، فمن الضروري أن ندرك أن طموحات الإسرائيليين في احتلال الأردن أو جزء منه موجودة ولكنها في سياق طروحات يمينية حالمة وواهمة ولا يمكن تطبيقها، وسأوضح ذلك بالتفصيل.
لك أن تتخيل أن إسرائيل، التي تبلغ مساحتها الحالية 21 ألف كيلومتر مربع، وهذه المساحة (على سبيل المقارنة فقط) أقل بكثير من مساحة محافظة المفرق التي تبلغ 26.5 ألف كيلومتر مربع تريد أن تحكم مساحة من الفرات إلى النيل أو مساحة تشكل ضعف فلسطين التاريخية كما تقول المنشورات الأخيرة!!
الكيان الحالي (ذو الـ21 ألف كيلومتر مربع) لم يستطع حتى الآن إحكام سيطرته على فلسطين كاملة من النهر إلى البحر (المساحة 27 ألف كيلومتر مربع)، فكيف يمكنه السيطرة على مساحة من الفرات إلى النيل؟!. في المحصلة، ما يقوله المؤمنون بمروية "ممالك يهوذا وإسرائيل" وبمشروع "من الفرات إلى النيل” لا يتجاوز كونه طروحات لجماعات تحت تخدير الوهم العقدي اليهودي، الذي يعتمد كليًا على الأسطورة والخرافة والعاطفة.
وأنا هنا لا أقلل من خطورة هذا الطرح، لكن في المقابل لا يصح أن نعتمده كمصير حتمي للأردن. فتاريخ المنطقة العلمي يؤكد أن ملوك إسرائيل ويهوذا لم يستطيعوا أبدًا احتلال الأردن أو جزء منه، وقد واجهتهم ممالك مؤاب وعمون وأدوم والأنباط بضراوة وشراسة وهزمتهم. أما في التاريخ الحديث، فالإسرائيلي يعرفنا جيدًا في وادي اللطرون وباب الواد والسموع والكرامة. ويعرف أيضًا أن العشائر الأردنية تشكل عمقًا كبيرًا وخط دفاع صلبًا تحت ظل الدولة الأردنية. لذلك على الجميع أن يدرك أن هذا الطموح التوراتي المريض والمتطرف سيمر على الجمر قبل أن يحقق أهدافه في الأردن وحدها.
في سياق آخر، إسرائيل لم تشتبك "وجهًا لوجه” مع دول مستقرة منذ عام 1973. وكل ما نراه اليوم هو استعراض قوة ضد ميليشيات في المنطقة، وليس ضد جيوش نظامية لدول مستقرة. والاشتباكات الوحيدة بعد ذلك مع دولة مستقرة ولديها جيش كانت مع إيران، لكنها حدثت على بعد آلاف الكيلومترات ولم تكن مواجهة مباشرة.
صحيح أن إسرائيل تمتلك تكنولوجيا متقدمة وتطورًا عسكريًا ودعمًا أمريكيًا مفتوحًا، لكن كل هذا لا يحسم معركة لإسقاط دولة قوية مستقرة لعقود وتحظى بتقدير واحترام دولي كالأردن (لا قدّر الله). فطبقة الدفاع الأردنية سميكة تتكون من قيادة حكيمة وجيش محترف وأمن قوي وعشائر منتمية للدولة والعرش.
وزارة الخارجية الأردنية ردّت الرد المناسب الذي يستحقه طرح تلك الصفحات الرسمية الإسرائيلية وكان البيان بحجم الحدث ودون مبالغة، وهذا برأيي هو التصرف الصحيح المناسب للوضع الآني. لكن على المدى البعيد فأتمنى أن يتم التعامل مع هذا الطرح بجدية واحتياط يتمثل في إعادة تقييم الخارطة السياسية داخل الأردن ودراسة العلاقة مع الضفة الغربية بما يتواءم مع التغيرات في المنطقة.