أحمد الضرابعة
الزيارة التي أجراها وزير الخارجية أيمن الصفدي، برفقة قائد الجيش اللواء يوسف الحنيطي، ومدير المخابرات العامة اللواء أحمد حسني إلى تركيا، لمقابلة نظرائهم، ليست مسبوقة في تاريخ العلاقات الأردنية - التركية التي ظلت تُراوح مكانها في السنوات الأخيرة. غير أن الوقائع التي نشأت في الساحة السورية بعد إسقاط حكم الأسد، والمخاوف والتهديدات التي نتجت عن ذلك، تُحتّم على الأردن وتركيا بناء أرضية مشتركة تُمكنّهما من ضبط المعادلة الأمنية في سورية من جديد، بما يضمن مصالحهما المتقاربة، حيث إن هناك أربعة تحديات تفرض نفسها، ويتعين على البلدين أن يُنسّقا معًا لمواجهتها، وهي تتمثل في التعامل مع التوسع الإسرائيلي في الأراضي السورية، ولهذا تأثير مزدوج؛ فهو يهدد الأمن المائي بالنسبة للأردن، ويضع تركيا التي تعهدت بحماية سورية ووحدة أراضيها، في موقف حرج كونها تملك فيها أوسع النفوذ. إلى جانب ذلك، فإن خطر استعادة تنظيم "داعش" نشاطه الإرهابي يهدد الأمن الإقليمي بصورة عامة، وهو ما تحاول أن تكبح جماحه الأردن وتركيا قبل أن يحدث، فالدولتان، لدى كل منهما تجربة خاصة معه، وبالتالي فإن التنسيق الأمني الاستباقي بينهما يُسهل إمكانية احتواء هذا الخطر في حال حدوثه. التحدي الثالث يتجلى في طموحات الأكراد الانفصالية ومساعيهم لتأسيس كيان سياسي مستقل، وهو ما ترفضه تركيا خشية أن يشجع حدوثه الأكراد داخلها على المطالبة بالانفصال عنها، وفي الوقت نفسه ترفضه الدول العربية مثل الأردن والسعودية وغيرها التي أكدت مرارًا رفضها تقسيم سورية والحفاظ على وحدتها، من منطلق المصالح الوطنية والقومية. فيما يرتبط التحدي الرابع بضرورة بناء نظام سياسي سوري شرعي، يمكنه ترميم الدولة السورية لتكون قادرة على استعادة مواطنيها اللاجئين في كل من الأردن وتركيا، وهما بلدان يستضيفان أعدادًا كبيرة منهم، ويواجهان العديد من المشكلات الاقتصادية، ومن مصلحتهما أن تنجح سورية في استعادة عافيتها؛ لأن ذلك يخفف الضغوط المختلفة عنهما.
إن الزيارة الأردنية رفيعة المستوى إلى أنقرة، تأتي في سياق أمني حديث التشكُّل، وهو ما يعني أن الأردن نجح في ضبط بوصلته وتحديد اتجاهاته، وقياس منسوب القوة والنفوذ للجهات الإقليمية والدولية في سورية، رغم تسارع الأحداث فيها، وبالتالي فإنه لا يُنسّق مع تركيا لوحدها رغم مركزية دورها في الشأن السوري الحالي، بل إن قائمة خياراته واسعة، لتشمل السعودية أيضًا، التي تُكرّس جهدها الإنساني لدعم الشعب السوري، وكانت أول دولة عربية تستقبل وزير الخارجية الإدارة الجديدة أسعد الشيباني، والذي سيزور الأردن أيضًا خلال الأسبوع الجاري، والأمر هنا لا يتعلق بترتيب المراكز، وإنما بالدلالات السياسية لتحركات القوى الإقليمية الفاعلة ورؤيتها لمستقبل الوضع في سورية، ودورها في تشكيله.
من عمان إلى أنقرة، يُواصل الأردن جهوده الدبلوماسية لتفكيك الألغام "الأمنية"، وإطفاء الحرائق الإقليمية، عن طريق بناء شراكات استراتيجية مع الدول الفاعلة، إدراكًا مبكرًا منه لتحولات السياسة، والجغرافيا السياسية، وسعيًا منه لمواجهة التحديات، والتقاط الفرص المتاحة.