عمر كلاب
يتحصن الأكاديمي بصرامته العلمية، ويفرض الأستاذ الجامعي أو المدرسي هيبته بعلمه أولاً، وبطريقة نقله لهذا العلم، وإذا ما ترافق ذلك بمسحة إنسانية، تزداد فرص وصول المعرفة إلى الطالب. فالحب، وإن كان شعورًا لا يخضع لنص أو أداة قياس، إلا أنه أقصر الطرق للوصول. ونذكر جميعًا أننا أحببنا المواد التعليمية من خلال حبنا لمدرس المادة، وكثيرًا ما كرهنا موادًا بسبب مدرسها. وما يحدث من جدل حول شوكولاتة الأستاذ الجامعي انحرف عن مساره، بل ودخل في خانة النكاية ووصل حد التشكيك بنزاهة أساتذتنا الكرام.
لم يكن التعبير عن الحب يومًا نقيصة، وشكل العلاقة بين المعلم وتلاميذه مهمة جدًا، ولأنني أعيش في منزل عاش هذه التجربة، أنظر إليها بعين مختلفة، فيها الكثير من التقدير. فشريكة دربي معلمة، وصدقوني كثيرًا ما ينتابني شعور بالفخر وبعض الغيرة، وأنا أرى رسائل طالباتها إليها رغم أنها تركت التعليم منذ عقد ونصف، لكنها ما زالت تتلقى الكثير من الرسائل المليئة بالمحبة، بل وكثيرًا ما نصادف بطالباتها المبدعات في المستشفيات أو مراكز العمل الحكومي والخاص، ويمطرنها بالمحبة والاهتمام.
كلنا حملنا محبة خالصة لمعلمينا، ولو كان في زماننا هذه الوسائط من التواصل الاجتماعي، لملأناها فخرًا بمعلمينا في المدارس والجامعات. وأجد من المعيب اختزال العلاقة بين المعلم والطالب بهذه الخفة، وأن حبة شوكولاتة ستجعل طالبًا ناجحًا أو حاملاً للمادة. ألم نتفاعل مع فيديوهات العناق بين المعلمات والطلاب في المراحل التعليمية الأولى؟ ألم نفرح لسلوك معلم أو معلمة وهي تستقبل طلبتها بمحبة وبأشكال عذبة؟ هذا ينسحب تمامًا على الأستاذ الجامعي وتفاعل طلبته معه، سواء بالشيكولاتة أو غيرها من وسائل التعبير عن المحبة والاحترام.
رصانة الأكاديمي مصانة، وأكبر ما يصونها محبة طلابه، وقدرته على إيصال المعلومة لهم بمحبة وعلم، ولا يضيره ارتفاع منسوب المحبة ولا ينتقص منه حبة شوكولاتة، فهي أقل ما يمكن أن يقدم له. فهذه المظاهر تفرح القلب، وترفع منسوب المودة داخل المجتمع الطلابي، الذي عانينا من شغبه وعنفه، وننتقد اليوم سلوكه الجميل في التعبير عن الامتنان. فبيئة التعليم هي الحصن المنيع للتقدم، وما ينقصها كان الإنساني الغائب حتى عن الكليات الإنسانية.
رفع وتيرة النقد لهذه المظاهر، وسط ارتقاء جامعاتنا على سلم الترتيب العالمي، مسيء، ولا يليق بهذا التقدم الذي نفخر به. فجامعتنا الأردنية – أم الجامعات – تكسر الأرقام وتتقدم، وكذلك جامعة العلوم والتكنولوجيا، وجامعة الأميرة سمية، والألمانية، وعمان الأهلية، والتطبيقية من الجامعات الخاصة. وكل هذا مصدر فخر لنا، فلا تكسروه، أيها المجحفلون بما لا ينفع العلم والمعرفة. فكم شعرت بالفخر وأنا أقبل يد أستاذي أثناء لقائي به في إحدى جولاتي الانتخابية قبل عقد من الزمن، ولا زلت أذكر كيف انتفض وزير المالية الأسبق ميشيل مارتو أطال الله في عمره، وقام من مقعده راكضًا، وكان على الباب رجل قارب الكهولة، فقبل أبو عيسى يده، وقال بفخر: "هذا أستاذي في المرحلة الابتدائية".
نعم للاحتفاء بالمدرس الجامعي والمدرسي، ونعم لتكريس قيمة احترام الأستاذ، فهو أول التطور والتقدم، ولا يجوز اختزال المشهد بهكذا طريقة. فحبة الشوكولاتة رسالة، والوردة رسالة، ويجب تكريس كل الرسائل الحميدة للأستاذ الجامعي والمدرسي.
omarkallab@yahoo.com