الأنباط -
الدعجة: عدم وجود تشريعات صارمة يُسهل على المجرمين الإفلات من العقاب
الخزاعي: الإحتيال الإلكتروني والابتزاز المالي من أكثر الظواهر المنتشرة في الأردن
الأنباط: آية شرف الدين
وسط تطور مستمر في العالمِ الرقمي وتسعه في جميع نواحي الحياة، يتزايد انتشار ظاهرة الإحتيال الإلكتروني الذي يُعد من أبرزِ الجرائم الإلكترونية التي تهدد الأفراد والمؤسسات في العصر، وأبرز ضحاياها الشباب والمراهقون.
وكما جرى ضبطٌ لأسلوبٍ من أساليب الاحتيال، يجري ابتكارٌ آخر، مع استحداث متواصل لأساليب الاحتيال والسرقة والابتزاز.
وتفتح الأنباط هنا ملفَ الاحتيال الإلكتروني في محاولةٍ لجمع الجوانب كافة من قانونية واجتماعية وتقنية إضافة إلى تجارب بعض المواطنين.
ويرى مراقبون وخبراء أنَّ ضعف الوعي الأمني بين الأفراد بأساليب الحماية الإلكترونية يجعلهم هدفًا سهلاً للمحتالين، وأن التطور السريع في التكنولوجيا يمنح المجرمين أدوات وتقنيات متقدمة لتنفيذ هجماتهم بطرق يصعب كشفها.
وبيَّن الخبراء أنَّ توسع استخدام الذكاء الاصطناعي وتقنيات تحليل البيانات قد يزيد الهجمات الإلكترونية وقد تصبح أكثر ذكاءً ودقة في استهداف الضحايا. مشددين على أنَّ كثرة الاعتماد على الحوسبة السحابية وإنترنت الأشياء يزيد من عدد النقاط القابلة للاختراق مما يوفر فرصًا أكبر للمجرمين لاستغلال الثغرات.
ويؤكد الخبراء ضرورة اتخاذ خطوات وقائيَّة لعدم الوقوع ضحايا لهذه الجرائم، ومنها عدم الضغط على الروابط المشبوهة التي قد تؤدي إلى مشاركة جميع المعلومات الشخصية للفرد والحذر من الحسابات التجارية التي قد تكون وهمية وعدم دفع المال لأيِّ حساب لأنه قد يزيد الوضع سوءًا واللجوء دائمًا إلى الجهات المختصة للمساعدة مثل الجرائم الإلكترونية.
"س د" كانت تريد شراء حقيبة من حساب تجاري من أحد مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تواصلت مع إدارة الصفحة واتفقت معهم على شراء الحقيبة بشرط الدفع قبل الاستلام، وتمَّ الدفع وبقيت أيام تنتظر وتحاول التواصل معهم لكن عبثًا بلا رد بعد ما قام الحساب التجاري بحظرها.
أما "ح س" فتعرض لمحاولة إحتيال من حساب وهمي من خلال إرسال رابط غير حقيقي عن طريق إعلان وهمي بأنَّه حصل على جائزة ماليَّة وبعد الضغط على الرابط تم سرقة كل معلوماته الشخصية، مشيرًا إلى أنه لجأ سريعًا إلى الجهات المختصة لمساعدته.
وتروي "ل ش"، البالغة من العمر 17 عامًا، بتلقيها طلب صداقة من فتاٍة على أحد مواقع التواصل، حيث وافقت على الطلب وبدأت تتجاذب أطرافَ الحديث معها، عن حياتها الشخصيَّة وعمرها وعن أصدقائها وعائلتها، ويومًا بعد يوم وبعد أحاديث طويلة، بدأت الفتاة بعد محاولات عديدة في إقناعها بإرسال صورٍ لها بحجة أنهما فتاتان وصديقتان وأصبحتا مقربتين، فاقتنعت "ل ش" بإرسال صور وفيديوهات لها بعد أن وثقت بالفتاة.
وبعد إرسال صورٍ لها وفيديوهات، اكتشفت "ل ش" أن صاحبَ الحساب الذي كان يتواصل معها شاب وبدأ بابتزازها وتهديدها بنشر صورها وفيديوهاتها على وسائل التواصل الاجتماعي في حال لم ترسل له نقودًا، لذلك أجبرت "ل ش" على إرسال النقود للشاب ولكن لم يكتفِ وأصبح يطلب المزيد من المبالغ إلى أن قامت بطلب المساعدة من دائرة الجرائم الإلكترونية وتمَّ حل المشكلة بدون علم أحد من أفراد عائلتها.
وفي السياق، يقول الخبير الأمني الدكتور بشير الدعجة إن من الأسباب التي تؤدي إلى انتشار عمليات الإحتيال الإلكتروني والابتزاز المالي ترتبط بعدة عوامل تتكامل لتوفير بيئة ملائمة لتنفيذ هذه الجرائم، من أبرزها ضعف الوعي الأمني لدى الأفراد حول أساليب الحماية الإلكترونية ما يجعلهم هدفًا سهلاً للمحتالين، مضيفًا أن التطور السريع في التكنولوجيا يمنح المجرمين أدوات وتقنيات متقدمة لتنفيذ هجماتهم بطرق يصعب كشفها.
وأشار الدعجة إلى الأسباب الأخرى التي تؤدي إلى تزايد الاعتماد على الوسائل الرقمية في إدارة المعاملات المالية والحياتية اليومية، حيث أصبح روتينًا يوميًا في حياة الناس وهو ما يعزز فرص استغلال الثغرات التقنية أو الهندسة الاجتماعية للإيقاع بالضحايا، مبينًا أن نشر الصور والمعلومات الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي من فيسبوك وانستغرام وسناب شات وغيرها من التطبيقات يسهم في تسهيل جمع المعلومات الشخصية عن الأفراد واستخدامها في عمليات الابتزاز.
وأضاف الدعجة أن عدم وجود تشريعات صارمة أو منظومات قانونية متقدمة في بعض الدول لمكافحة هذه الجرائم يجعل من السهل على المجرمين الإفلات من العقاب أو الاستمرار في تنفيذ عملياتهم من نصب وإحتيال وابتزاز لجميع الفئات العمرية مستغلين عدم وعيهم ومعرفتهم حول هذا الموضوع.
وتابع أنه مع تطور العالم الرقمي بشكلٍ مستمر يُحتمل أن نشهد زيادة في هذه العمليات، حيث أن كل قفزة تكنولوجية جديدة تُرافقها زيادة في التحديات الأمنية، ومع توسع استخدام الذكاء الاصطناعي وتقنيات تحليل البيانات قد تصبح الهجمات الإلكترونية أكثر ذكاءً ودقة في استهداف الضحايا وانفتاحهم أكثر على التكنولوجيا وعدم مراعاة مخاطرها.
وأكد أن كثرة الاعتماد على الحوسبة السحابية وإنترنت الأشياء يزيد من عدد النقاط القابلة للاختراق مما يوفر فرصًا أكبر للمجرمين لاستغلال الثغرات، كما أن أيضًا الاستخدام المتزايد للعملات الرقمية يوفر بيئة مثالية لإخفاء الهويات وتحويل الأموال بشكل يصعب تتبعه لذلك فإن مواجهة هذه الجرائم تتطلب تعزيز التعاون الدولي في مجال الأمن السيبراني وتطوير الحلول الوقائية التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي لتحليل الأنماط المشبوهة والتصدي لها بسرعة للتقليل من انتشار مشاكلها ومخاطرها على الفرد والمجتمع.
وبحسب وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونية فإن قضايا الجرائم الإلكترونية تزايدت خلال الأعوام السبع الأخيرة بنحو 6 أضعاف، إذ ارتفعت من (2305) قضايا في عام 2015 لتصبح (16027) قضية في عام 2022.
وتزايد قضايا الاحتيال الإلكتروني التي بلغت في العام 2022 (2118) قضية، وبنفس الوقت تزايدت أساليب الابتزاز الإلكتروني إذ بلغت (1285) قضية، في حين بلغت قضايا الذم والقدح والتحقير (3769)، وقضايا التهديد (3466) عبر الإنترنت، أمّا قضايا الاختراق فقد بلغت (2115) قضية.
ويختلف حكم قضايا الاحتيال من شخص إلى آخر ومن قضية إلى أخرى، لكن لا شكّ أنّ عقوبة قضية النصب والاحتيال في الأردن قد تكون شديدةً في بعض الحالات وهذا لضمان حقّ المجني عليه، حيث تتراوح مدة السجن بين الثلاثة شهور والثلاث سنوات والأشغال الشاقة المؤقّتة والغرامة الماليّة من 100 دينار إلى 200 دينار.
وحدة مكافحة الجرائم الإلكترونيَّة حذرت مرارًا من أساليب الاحتيال الإكتروني، وتؤكد في كل مناسبة ضرورة عدم إعطاء المعلومات والبيانات الشخصية لأي شخص مجهول وعدم إرسال أكواد التحقق كذلك لأيّ كان، ولا حتى الشركات الأم لأن الشركات الأم لا تطلب مثل تلك الأكواد في أيٍّ من معاملاتها وهي أكواد خاصة للعميل فقط، وعدم التعامل مع أيّة اتصالات مجهولة أيًّا كان مصدرها يُطلب خلالها تحديث بيانات ترتبط بمعاملات أو محافظ مالية.
من جانبه، أكدَّ دكتور علم الاجتماع حسين الخزاعي أن الضحايا الذين يتعرضون لحالات النصب والاحتيال التي يُمارسها بعض المجرمين بالمجتمع يتأثرون نفسيًا واجتماعيًا واقتصاديًا، حيث تؤثر بشكل كبير على سلوك ونفسية المجني عليه مستقبلاً، مضيفًا أنَّ هذه السلوكيات الاحتيالية لا تؤثر فقط على المجني عليه وإنما على عائلته وأصدقائه والمحيط الذي حوله.
وذكر الخزاعي أن كثرة ممارسة البعض لهذه الجرائم جعلهم يتخذونها مهنة لهم، إضافة إلى الوضع الاقتصادي المتدني وسوء الحالة المادية ما جعل بعض الأشخاص يلجأون لهذا الفعل.
وبين أن النصب الإلكتروني والابتزاز المالي من أكثر الظواهر الاجتماعية المنتشرة في الأردن بسبب ضعف الوضع الاقتصادي وقلة وعي المجتمع، إضافة إلى زيادة استخدام منصات التواصل الاجتماعي.