الأنباط -
نواب لا يساءلون الحكومة، برلمان بدون قضايا جادة
نواب يتحدثون بالفصحى، والشعب يتألم باللهجات المحلية
الأنباط – خليل النظامي
منذ أن أعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية ونحن نقرأ ونتوقع أن هذا مجلس النواب الحالي سيتصف بنزالات سياسية طاحنة كـ تلك التي سمعنا وقرأنا عنها في مجلس 1989، اليوم كانت أولى المواجهات بين الحكومة ومجلس النواب، كنا متأملين في أن نرى ما نتعطش لرؤيته ولكن، رأينا أن جلسة المناقشة والرد على بيان حكومة الدكتور جعفر حسان تحولت إلى عرض مسرحي بائس مليء بـ كلمات من غير مضمون وخطب بلا محتوى موجهة لجمهور لم يعد يسمع، حيث بدت وكأنها محاولة لـ تضييع الوقت أكثر منها نقاشًا جادًا يحمل بين طياته هموم المواطنين وهم الوطن، وأصبحت القاعة التي يفترض أن تكون ساحة لـ الرقابة والمساءلة والتشريع مجرد منصة لـ استعراض البلاغة اللغوية دون جوهر.
افتتح رئيس المجلس الصفدي الجلسة والنواب بدأوا بـ إلقاء كلماتهم الواحد تلو الآخر وبدلاً من الرد على البيان الحكومي وتفكيكه، أمطرونا بـ خطب أشبه بـ خطب يوم الجمعة وقصائد شعراء الغزل العذري كما في سوق عكاظ، أصوات مرتفعة وعبارات منمقة بمضمون خاوٍ لا يخدم القضايا والهموم الحقيقية التي يعيشها ويعانيها المواطن البائس، حتى أننا لم نر أي محاولة لـ النقاش الجاد أو الطرح الواقعي، وكأن الهدف من الجلسة لم يكن سوى إظهار التفوق في فنون الخطابة.
نواب حزب جبهة العمل الاسلامي الذين كان ينتظر منهم أن يقودوا معارضة قوية وقادرة على وضع الحكومة في موقف محرج بخطابات ناضجة، بدوا أقل من المتوقع بكثير، وجاءت كلماتهم باهتة، أقرب إلى تصريحات صحفية خجولة، فـ غاب التحليل الرقمي والإحصائي، وافتقدت طروحاتهم لـ العمق الذي يفكك ويزلزل البيان الحكومي، وبدت مداخلاتهم وكأنها محاولة لـ الحفاظ على علاقة متوازنة مع حسان وحكومته.
أما اليسار والمحسوبين عليه، آآآخ من اليسار، فقد كان حضوره باهتًا لدرجة يصعب تمييزه عن غيره من الاقطاب السياسية الأخرى، اليسار الذي عرف بـ الدفاع عن الطبقات المهمشة من بياناته الانتخابية السابقة ومواقفه المعلنة، بدا اليوم وكأنه فقد هويته، وخرج علينا بـ خطابات جاءت محملة بـ المصطلحات الأكاديمية الجوفاء، وغاب الحديث عن العدالة الاجتماعية أو السياسات الاقتصادية التي تؤثر على حياة الناس، وبدت كلماتهم كأنها مصاغة لـ إثارة إعجاب النخبة أكثر من كونها موجهة لـ الشعب الذي يمثلونه.
من على الضفة الأخرى، لم تكن الأحزاب البرلمانية الأخرى أفضل حالاً، وجاءت خطابات ممثليها مليئة بالعموميات والعبارات المكررة التي تخلو من أي رؤية حقيقية، أما الأحزاب التي توصف ب الكبيرة بدت في مشهد مضحك وكأنها تمثل الحكومة لا الشعب، متماهية مع سياساتها دون أن تقدم موقفًا واضحًا، وتلك القوى الناعمة الصغيرة، بدت وكأنها تخشى اتخاذ أي موقف قد يضعف من مكاسبها المستقبلية، واكتفت بترديد شعارات لا تحمل أي معنى أو مضمون.
في الطرف الآخر من الجلسة يظهر علينا نواب الرأسمالية الذين وصلوا إلى المجلس بـ أموالهم لا بـ أصوات الناخبين البؤساء، وطبعا كما جرت العادة، فـ هؤلاء بينهم وبين القلم عداء وخطاباتهم بدت وكأنها مكتوبة لهم من مستشارين بعيدين عن الواقع، خاصة أنهم تحدثوا بـ لغة معقدة ومليئة بـ المصطلحات التي يبدو أنهم أنفسهم لم يفهموها، وقوفهم وحديثهم من على منصة المجلس أشبه بمشهد حديث مندوب الإعلانات الدعائية الذي يروج لسلعة ما، خطابات تهدف إلى ترسيخ مصالح رأس المال الذي يمثلونه في وقت بقيت فيه قضايا المواطنين بعيدة تمامًا عن أجندتهم.
اللافت بـ المشهد العام لـ جلسة الأمس، غياب نواب النماذج الشعبية الذين يفترض أن يكونوا صوت الشارع الأردني وهمومه، خاصة أننا لم نسمع اللهجة الكركية أو لهجة أهل جرش أو حتى لهجات الفلاحين والبدو وأبناء المخيمات، تلك اللهجات التي تنبض بـ الحياة وتروي قصص الناس وهمومهم، وكان من المتوقع أن يقدموا صورة حقيقية لـ الأردن بكل أطيافه، وأن يعبروا عن مآسي المواطنين وهمومهم اليومية بـ لغة ولهجة مألوفة تعكس الواقع الذي نعيشه، ويتحدثون بـ لسان مختلف عن لسان الأردنيين، وغابت اللهجات الأصيلة التي طالما كانت رمزًا للهوية الشعبية الأردنية، وحلت مكانها لغة فصحى رسمية وباردة، بعيدة عن الواقع الذي يعيشه البسطاء.
إلى ذلك الغياب، هناك غياب آخر يتمثل بـ اختفاء تلك التفاصيل الصغيرة التي تعكس حقيقة الحضور الشعبي، فلم نر بالأمس ملابس الفلاحين والقرويين أو حتى البدو، تلك الملابس التي تشكل جزءًا من هويتنا كـ أردنيين، وكانت القاعة مليئة بالبدل وربطات العنق الأنيقة والفاخرة وتعج بالعطور الفاخرة، وبدلاً من أن تعكس ملامحهم وملابسهم الحقيقة، بدت الجلسة وكأنها مخصصة لطبقة بعيدة عن الواقع، وكأنها تهدف إلى إبراز الثراء والمكانة الاجتماعية بدلاً من تمثيل الأردنيين بكل تنوعهم وأصالتهم.
أما الحكومة، فقد كانت جالسة وسط هذا المشهد العبثي مطمئنة في مقاعدها، يراقب وزراؤها الجلسة وكأنها عرض كوميدي، يتبادلون النظرات والابتسامات، وبدوا وكأنهم يدركون أنهم في مأمن من أي مساءلة حقيقية، فـ الجلسة التي كان من المفترض أن تكون فرصة لـ المعارضة لـ إظهار قوتها وقدرتها على محاسبة ومراقبة الحكومة، انتهت بتحول البرلمان إلى ساحة فارغة من أي معارضة فعلية.
غادر الجميع القاعة كما دخلوها، دون أن يتغير شيء، والحكومة خرجت كأنها انتصرت دون أن تحارب أصلاً، والمواطن الذي يشاهد بقي وحيدًا يتابع هذه المسرحية، ينشر عبر صفحات الفيسبوك متساءلا: إذا كان هذا هو حال البرلمان الجديد بكل أطيافه، فـ كيف سيكون حال دجاجاتي اليوم في هذا الطقس البارد؟