الأنباط -
ابراهيم ابو حويله ..
اصبح التضليل جزء من الحياة ، ام ان الحياة اصبحت في هذا الزمان تضليل ، لقد تضخمت الكثير من الأمور على حساب امور اخرى، والبعض يعاني من ظاهرة العميان والفيل فهو ممسك بالخرطوم ويظن الفيل فقط هو الخرطوم ، وهذه الظاهرة تكاد تمس كل جوانب الحياة تقريبا ، وتتفاجأ أحيانا بأن هناك اشخاص لهم رأي ورزانة ومكانة ، ولكنهم يرون ويتعاملون ويظنون أن الأمور كلها محكومة بوجهة نظر واحدة فقط ومن تلك الجهة التي يتفقون بها .
انا لا ازعم بأن الجميع قادر على الفهم لكليات الأمور والوصول الى كنه الأمر واساسه وكيفية قيامه واندثاره ، ولكن هناك عقل جمعي يعي خطورة امور معينة ، مثل الأثر الأخلاقي ، والأثر الأجتماعي ، والأثر السياسي ، والأثر الإقتصادي ، والأثر الديني في الحياة .
لنأخذ مثلا الأثر الديني وكيف ان مفهوم مقاصد الشريعة ومفهوم السنن الكونية يغير كل شيء بالنسبة للمتلقى الطبيعي ، الذي كان يظن بأن الدين هو مجموعة من العبادات الشعائرية يقوم بها فيتحقق المطلوب ، ولكن ما قام به البعض من جهد بالغ في تشريح النصوص وفهمها وفهم نقاط الترابط ونقاط الأنفصال فيها ، وفهم متعلقات النصوص وهدفها النهائي ، جعل حفظ الدين والعقل والنسل والمال والنفس هو مقصد الأسمى للدين ، وعند العودة للنصوص القرآنية والحديث والسيرة تتضح هذه الحقيقة بعد بحث وتمحيص ودراسة .
اذا هناك ترابط قوي بين الكثير من الأمور ، وهناك نصوص واضحة ، واخرى تحتاج الى تحليل وفهم ، وهناك نتائج مرئية ومتوقع حدوثها في حال وجود الخلل واستمراره ، وهنا اجدني متفقا تماما مع ان الإنتخابات كان لها اثر كبير في اثارة الكثير من القضايا الحساسة والمتعلقة بالمجتمع والاقتصاد والسياسة والعشائرية والحزبية والمدنية والعربية والعالمية ، وكل هذه المفاهيم اصبح لها صدى ومحاولة للفهم ، وهناك اسئلة وتوقعات اخرى تشعر معها بسطحية شديدة .
ولقد تفاجأ القائمون على الأحزاب والمرشحون المستقلون بأن المطلوب كبير وكبير جدا مقارنة مع ما كان سابقا ، فالبرامج الحزبية يجب ان تكون واقعية ، والتوصيف للمشكلات لا يكفي فلا بد من ايجاد حلول منطقية ومعقولة ومنطلقة من امكانيات وقدرات مؤسسات الوطن الخاصة والعامة ، فلا يصح بحال الطلب مثلا برفع الحد الأدنى للأجور عشرات الدنانير دون نظرة عامة وخاصة إلى واقع الوطن الاقتصادي وقدرة المؤسسات العامة والخاصة على القيام بهذا الأمر ، وهي تعاني من الوضع الحالي والكثير منها معرض للتعثر والإغلاق ، وتحتاج خطة وطنية للإنقاذ سواء في قطاع السياحي او الطبي او التجاري والصناعي والزراعي والتعليمي ، وهؤلاء في المحصلة هم الوطن وهم من يدفع للوطن وللقطاع الخاص فإن كان هؤلاء متعثرون .
وهناك في المقابل فهم لبعض القضايا ، ولقد لاحظت هنا ان فهم البعض قائم نتيجة لطبيعة العمل او التخصص في الأغلب ، وفي الجهة الأخرى غياب مطلق عن باقي القضايا ويصل احيانا إلى درجة السذاجة او التفاهة او التضليل في قضايا أخرى .
ويسعى في تضخيم أثرها ومتعلقاتها وهي في الحقيقة لا تستحق هذا التضخيم ، ولكن كما كبرت شجرة التضليل غطت على شجرة الحقيقة ، واصبح لا يرى من حقيقة الأمر إلا ما يفهمه وهذا الفهم في الأغلب لم يكن مصدرهجهة موثوقة ، ولكن مواقع التواصل وابطالها الوهمين ، وهذا ينقل رأية وفهمه مت سطحيته وتفاهته البالغة إلى ملايين المتابعين اذا سلمنا بأنه ليس ضال أو مضل .
لقد اصبحنا في زمن نخشى فيه على أنفسنا من هول ما يتم تدواله وعرضه وتسويقه والترويج له ، لقد ضاع العقل في هذا الكم من كل شيء ، وهو في الحقيقة لا شيء ، ولم يتوقف الأمر على التضليل ولكن اصبح اغراقا معلوماتيا واعلاميا وزخما كبيرا هائلا ولكنه تافه .
لقد تضخم كل شيء في هذا العصر الذي نعيش فيه ، نعم لم نكن نحلم بأي حال من الأحوال بأن نصل إلى ما وصلنا إليه في التقنية والنقل والتكنولوجيا وحتى الصناعة والزراعة ، ولكن هذه الفوائد التي نحصل عليها من هذا التطور ، هل سيكون لها أثرها على الإنسان وتغير مفاهيمه وقدراته وتفاعله ، وتحرف الحقائق والفكر والمنطق والدين عن طريقه .
نعود لقصتنا وهي ضرورة وجود المحددات التي تستطيع ان تخرجنا من دائرة الاستهداف بالتضليل او التتفيه ، وتجعلنا قادرين على رؤية الحقيقة مجردة واثرها في الإنسان والمجتمع والدين والعالم فنحن جزء منه ، وهل من الممكن تأطير هذه القواعد حتى نقيس عليها ما هو صحيح من غيره ، تخدعنا العبارات البراقة والكلمات التي تحمل طابعا عاطفيا انسانيا احيانا ، ولكن بين هذه وتلك المسافة طويلة .