الأنباط -
الكاتب والمحلل الأمني د. بشير الدعجه
في حادثة مروعة تُظهر ضعف الأجهزة الأمنية الإيرانية، تم اغتيال إسماعيل هنية، رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، في قلب العاصمة الإيرانية طهران... هذه الحادثة، التي وقعت أثناء تواجده في دار الضيافة، تُثبت بما لا يدع مجالًا للشك هشاشة تلك الأجهزة وفشلها الذريع في تأمين الحماية حتى لشخصيات بارزة وضيوف رسميين..
التضارب الفاضح في الروايات الإيرانية حول كيفية تنفيذ عملية الاغتيال يُعد دليلاً إضافياً على التخبط والفوضى السائدة داخل المنظومة الأمنية... فقد بين ادعاء بعض المصادر أن هنية تم استهدافه بصاروخ يحمل رأساً حربياً وبين زعم آخر بأنه قُتل بزرع متفجرات داخل مكان إقامته، يُظهر هذا التناقض مدى الضعف والارتباك الذي تعاني منه تلك الأجهزة..
إن فشل الأجهزة الأمنية الإيرانية في حماية هنية يعكس بوضوح الاختراقات العميقة التي تعاني منها تلك الأجهزة... فهذه ليست المرة الأولى التي تتعرض فيها إيران لمثل هذه الفضيحة؛ فقد سبق وأن تم اغتيال محسن فخري زاده، العالم النووي البارز، في قلب إيران بعملية نوعية تُظهر مدى تهاون الأجهزة الأمنية وتعرضها للاختراق... إذا كانت هذه الأجهزة غير قادرة على تأمين ضيوفها البارزين وحمايتهم، فكيف يمكنها أن تؤمن حماية مواطنيها؟
التأخير في الإعلان عن نتائج التحقيقات يزيد الطين بلة، ويعزز الشكوك حول نزاهة وشفافية السلطات الإيرانية...إن إرسال فرق المختبرات الجنائية لمسح مسرح الجريمة لم يفضِ حتى الآن إلى أي نتائج معلنة، مما يثير تساؤلات حول مدى فعالية التحقيقات وهل هناك محاولات للتستر على الفضيحة... هذا التأخير يعزز من فرضية أن هناك محاولات يائسة للحفاظ على ماء الوجه أمام العالم بعد هذا الفشل الذريع...
وفي محاولة لامتصاص الغضب والسيطرة على الموقف، شنت السلطات الإيرانية حملة اعتقالات واسعة طالت كبار الضباط والقادة والمسؤولين في الأجهزة الأمنية والجيش والحرس الثوري... هذه الخطوة، التي تعكس حالة الفوضى والاضطراب داخل النظام، لن تخفي الفشل الواضح ولن تعالج الأسباب الجذرية لهشاشة المنظومة الأمنية الإيرانية..
إذا نظرنا بتمعن إلى الوضع الأمني في إيران، نجد أن مسلسل الفشل لم يبدأ باغتيال إسماعيل هنية، بل يعود إلى سلسلة من الأحداث التي تكشف عن ضعف الأجهزة الأمنية... على سبيل المثال، اغتيال محسن فخري زاده، العالم النووي البارز، في عملية محكمة وسط إيران، يُظهر بوضوح مدى تهاون الأجهزة الأمنية وتعرضها للاختراق... هذا الحدث أظهر للعالم أن إيران، التي طالما تباهت بكفاءة أجهزتها الأمنية، تعاني من ثغرات خطيرة..
الاختراقات المتكررة داخل الأراضي الإيرانية تشير إلى فشل النظام الأمني في التصدي للتهديدات الداخلية والخارجية... فمن غير المقبول لدولة مثل إيران، التي تدعي أنها قوة إقليمية، أن تعاني من هذا المستوى من الفوضى الأمنية... فقدرة أي دولة على حماية رموزها وضيوفها هي مقياس أساسي لكفاءتها الأمنية، وفي هذا الجانب، فشلت إيران فشلاً ذريعاً.
من وجهة نظري، إن ما حدث في طهران ليس مجرد حادثة عابرة، بل هو انعكاس لأزمة أعمق تتعلق بكفاءة النظام الأمني الإيراني... وإن الفشل في حماية شخصية بارزة مثل إسماعيل هنية يكشف عن وجود اختراقات خطيرة وضعف في التنسيق والاستخبارات... ويبدو أن إيران تركز بشكل كبير على استعراض قوتها الإقليمية والدولية، بينما تهمل الجانب الأساسي من أمنها الداخلي.
من الناحيةالجيوسياسية، تفتح حادثة اغتيال إسماعيل هنية في طهران فصلاً جديداً من التوترات الإقليمية والدولية... هذه العملية، التي تمت في قلب العاصمة الإيرانية، تعكس مدى الجراءة التي تمتلكها الجهات المعادية لإيران، والتي تستطيع تنفيذ عمليات نوعية داخل أراضيها... هذا الأمر لا يقتصر على كشف ضعف الأجهزة الأمنية فحسب، بل يسلط الضوء أيضاً على العزلة المتزايدة التي تعاني منها إيران في الساحة الدولية.
على الصعيد الأمني، فإن هذا الاغتيال يضع النظام الإيراني في موقف حرج أمام حلفائه وأعدائه على حد سواء... كيف يمكن لدولة تدعي أنها تمتلك أفضل أجهزة استخبارات في المنطقة أن تسمح بحدوث اختراق بهذا الحجم؟ هذه الحادثة تزيد من الشكوك حول قدرة النظام الإيراني على حماية مصالحه وأمنه القومي... فاستهداف شخصية سياسية بارزة مثل إسماعيل هنية يعكس وجود تخطيط دقيق وتعاون داخلي مع قوى خارجية، مما يعزز من فرضية الاختراقات العميقة داخل النظام الأمني الإيراني.
إن التداعيات المحتملة لهذا الاغتيال قد تتجاوز الحدود الإيرانية لتؤثر على التحالفات الإقليمية والتوازنات الدولية... إذا لم تتمكن إيران من معالجة هذا الفشل الأمني الجسيم، فقد تجد نفسها في مواجهة ضغوط متزايدة من حلفائها الذين سيفقدون الثقة في قدرتها على توفير الحماية والأمن... في الوقت ذاته، ستستغل القوى المناوئة لإيران هذا الفشل لتعزيز حملاتها الدعائية والسياسية ضدها، مما يزيد من تعقيد الوضع الإقليمي.
بالنظر إلى هذه الأبعاد، يتضح أن اغتيال إسماعيل هنية لم يكن مجرد حادثة فردية، بل هو علامة على تحولات جذرية في الديناميكيات الأمنية والجيوسياسية في المنطقة. هذه الحادثة ستكون لها تداعيات بعيدة المدى على النظام الإيراني وعلى استقرار المنطقة بأكملها، مما يستدعي إعادة تقييم شاملة للنهج الأمني والسياسي الذي تتبعه إيران في المرحلة المقبلة.
إن اغتيال إسماعيل هنية في طهران لا يمثل مجرد اختراق أمني، بل هو رسالة صادمة تفكك أسطورة القوة الإيرانية التي طالما تباهت بها السلطات في طهران... هذه الحادثة تعري بشكل غير مسبوق هشاشة النظام الأمني وتكشف عن زيف الادعاءات بالقدرة على التصدي للتهديدات الخارجية والداخلية.
في ظل هذه الفضيحة المدوية، بات من الواضح أن إيران ليست ذلك الحصن المنيع الذي تدعيه، بل هي دولة تعاني من ثغرات أمنية خطيرة يمكن لأي جهة معادية استغلالها بكل سهولة... وإن قدرة منفذي الاغتيال على الوصول إلى شخصية بوزن هنية وتنفيذ العملية في قلب العاصمة، تُعد صفعة قوية لسمعة الأجهزة الأمنية الإيرانية وتفضح مدى ضعفها واختراقها..
علاوة على ذلك، فإن هذه العملية تحمل في طياتها دلالات عميقة تشير إلى أن أعداء إيران يمتلكون الجرأة والتخطيط اللازمين لضربها في عقر دارها... هذه الحقيقة تدق ناقوس الخطر حول مدى قدرة إيران على حماية قادتها وحلفائها، وتجعل من مسألة الأمن القومي تحدياً وجودياً يهدد بقاء النظام.
إن تداعيات هذا الفشل الأمني لن تقف عند حدود طهران، بل ستتردد أصداؤها في كافة أنحاء المنطقة، لتعيد رسم خريطة التحالفات وتوازن القوى... إذا كانت الأجهزة الأمنية الإيرانية عاجزة عن حماية ضيوفها، فكيف يمكنها أن تدافع عن مصالحها الاستراتيجية في مواجهة التهديدات المتصاعدة؟ هذا السؤال يظل بلا إجابة مقنعة، ويعكس مدى عمق الأزمة التي تواجهها إيران في الوقت الراهن.
في الختام، إن اغتيال إسماعيل هنية في قلب طهران يُظهر بما لا يدع مجالًا للشك هشاشة الأجهزة الأمنية الإيرانية... هذه الفضيحة لن تمر مرور الكرام، وستظل تلاحق النظام الإيراني وتلقي بظلالها على مدى كفاءته وقدرته على مواجهة التحديات الأمنية... إذا استمر هذا الوضع، فإن إيران ستواجه المزيد من الفشل والاختراقات، مما يعرض أمنها واستقرارها لمخاطر جسيمة...وللحديث بقية.