د. أيوب أبودية
كان هجوم تيت Tet الشهير، الذي شنته قوات فيتنام الشمالية وقوات الفيتكونغ خلال حرب فيتنام، بمثابة لحظة محورية في تاريخ الصراع مع الولايات المتحدة الأمريكية. وقع الهجوم في الفترة من 30 يناير واستمر لغاية 23 سبتمبر 1968، وتحدى التصورات السائدة بقوة الأميركان وحلفائهم من الفيتناميين الجنوبيين، وكان له عواقب وخيمة على كل من الاستراتيجية العسكرية والرأي العام المحلي والعامي، على نحو يشبه ما يحدث اليوم في غزة.
كان هجوم تيت عبارة عن سلسلة من الهجمات المفاجئة المنسقة ضد المدن الفيتنامية الجنوبية والمنشآت العسكرية الأمريكية، باستخدام أعداد كبيرة من الاستشهاديين، والتي تم توقيتها لتتزامن مع عطلة تيت، وهي فترة ذات أهمية ثقافية في فيتنام. كان حجم الهجوم وكثافته غير مسبوقين، وأظهر تصميم ومرونة القوات الفيتنامية الشمالية نجاحا باهرا على الرغم من الفرق الشاسع في التكنولوجيا والمعدات العسكرية بين الفريقين.
كان أحد الجوانب الرئيسة لهجوم تيت هو تأثيره على الإستراتيجية العسكرية. لقد فاجأت الهجمات المفاجئة الولايات المتحدة وحلفائها، كما فاجأ طوفان الأقصى الكيان الاسرائيلي في السابع من أكتوبر، مما شكل تحديا للاعتقاد بأن الفيتناميين الشماليين كانوا على وشك الهزيمة أو أن انقسام الشمال عن الجنوب سوف يكون أزليا. كشف الهجوم عن قدرة القوات الوطنية على التكيف مع الأرض وحرب الأنفاق كما هي الحال في غزة اليوم، مما حطم الوهم المتمثل في تحقيق نصر واضح ووشيك للولايات المتحدة وفيتنام الجنوبية.
وفي خضم الهجوم تبرز معركة هيو، المدينة التي سقطت في أيدي القوات الفيتنامية الشمالية، كرمز لكثافة هجوم تيت وشدته. أظهر القتال الحضري المطول والشرس تماسك القوات الوطنية وتجاوزها تحديات شن الحرب في بيئة حضرية معقدة. وأثارت المعركة أيضا تساؤلات حول فعالية النهج العسكري الأمريكي والقدرة على تأمين الأراضي والسيطرة عليها، كما هي الحال في الهجوم على غزة اليوم، وكما يقول اللواء فايز الدويري. وأسفرت المعركة عن أضرار جسيمة في المدينة.
كان جزء كبير من الدمار نتيجة للقتال العنيف من شارع إلى شارع واستخدام المدفعية الثقيلة والدعم الجوي. وتعرضت العديد من المعالم التاريخية والثقافية، بما في ذلك المعابد والمباني التي يعود تاريخها إلى قرون مضت، لأضرار أو دمرت بالكامل. تعرضت المنازل والشركات والمرافق العامة لأضرار جسيمة أو دمرت بالكامل، وتعرضت البنية التحتية للمدينة، بما في ذلك الطرق والجسور، لأضرار جسيمة. وقد تهدمت نحو نصف منازل المدينة تهدما شبه كامل. إذ يتم تذكر معركة هيو باعتبارها واحدة من أكثر الاشتباكات دموية ووحشية في حرب فيتنام، مع عواقب وخيمة على المدينة وسكانها.
ويؤكد حجم الدمار والخسائر في الأرواح الأثر المدمر الذي يمكن أن تلحقه حرب المدن بحياة البشر والتراث الثقافي إلى جانب آثاره العسكرية. كان لهجوم تيت تأثير عميق على الرأي العام، سواء في الولايات المتحدة أو على المستوى الدولي. إذ تناقضت الهجمات المفاجئة مع التقييمات المتفائلة التي قدمتها الحكومة الأمريكية قبل الهجوم، مما أدى إلى تآكل الثقة في الروايات الرسمية. وتدعم ذلك بالصور الحية للمعركة، التي تم بثها في غرف المعيشة عبر التلفزيون، حيث جلبت الحقائق القاسية للحرب إلى الواجهة، مما أدى إلى تأجيج المشاعر المناهضة للحرب، كما يحدث اليوم في غزة.
لعبت وسائل الإعلام دورا حاسما في تشكيل التصورات العامة حول هجوم تيت. وقد التقطت الصورة الشهيرة لإعدام أحد المشتبه بهم من الفيتكونغ في شوارع سايغون وحشية الصراع، مما أدى إلى زيادة التدقيق والشكوك فيما يتعلق بتورط الولايات المتحدة الاجرامي في فيتنام. كما أدت التغطية الصحفية دورا مهما في تحويل المشاعر العامة ضد الحرب، مما ساهم في تنامي الحركة المناهضة للحرب في أميركا والعالم، كما يحدث اليوم لدعم القضية الفلسطينية والتنديد بأشلاء الشهداء وتجويع أهلها.
علاوة على ذلك، كان لهجوم تيت تداعيات دبلوماسية، حيث أثر على وجهات النظر الدولية بشأن حرب فيتنام. فقد أدت جرأة وفعالية الهجوم الفيتنامي الشمالي إلى تحولات في الرأي العالمي، حيث شككت بعض الدول في شرعية التدخل الأمريكي. وزادت التداعيات الدبلوماسية من عزلة الولايات المتحدة في سعيها للتوصل إلى حل عسكري في فيتنام. وهذا ما يحصل اليوم في العالم لصالح فلسطين، ولكن للأسف ما زال بطيئا.
وفي أعقاب هجوم تيت، واجه الرئيس الأمريكي ليندون جونسون تحديات متزايدة. دفع تآكل الدعم الشعبي، إلى جانب إدراك الشعب أن النصر لم يكن وشيكا كما كان يُعتقد سابقًا، الرئيس جونسون إلى إعادة تقييم الاستراتيجية الأمريكية في فيتنام. وقد سلط قرار عدم إعادة انتخابه الضوء على التأثير العميق لهجوم تيت على القيادة السياسية الأمريكية. وهذا ما سوف يحصل مع نتنياهو قريبا.
في الختام، كان هجوم تيت لحظة فاصلة في حرب فيتنام، حيث أعاد تشكيل الاستراتيجيات العسكرية، وغير الرأي العام، وأثر على الديناميكيات الدبلوماسية. كما أظهرت الهجمات المفاجئة والواسعة النطاق قدرة القوات الفيتنامية الشمالية على الصمود، وتحدي المفاهيم المسبقة عن مسار الحرب. إذ يكمن الإرث المستدام لهجوم تيت في دوره كنقطة تحول فرضت إعادة تقييم المجهود الحربي، سواء من حيث التكتيكات العسكرية أو المشهد الجيوسياسي الأوسع. وهذا ما نأمل منه من الصمود الغزاوي الباسل أمام أقوى الدول في العالم وعلى رأسها أميركا التي لا تخجل من نفسها في محاربة سكان مدنيين وبضع آلاف من المقاومين وتطلق عليها "حربا".