الأنباط - حماس المترددة: لا سمح الله
الوقت من دم، ولا ينبغي أن تتأخر حماس في فرض رؤيتها، والقفز عن الخطط التي يرسمها الآخرون، وكسر الأبواب المغلقة، وتجاوز الخطوط الحمراء السابقة، فقد انتهت تلك المرحلة يوم السابع من اكتوبر. لو انتظرت حركة فتح رؤى الآخرون ما نجحت في قيادة حركة التحرر الوطني، ولو لم تتقدم فتح بشجاعة مستفيدة من نجاحاتها وتضحياتها ما تحقق لها ذلك، ولو سعت فتح للحصول على موافقة الكل، العربي والفلسطيني، ما سارت خطوة واحدة.
ذكر أسامة حمدان منذ أيام "مخطىء من يظن أنه سيأتي إلى غزة على ظهر دبابة بينما يقوم المجاهدون بتفجير الدبابات من مسافة الصفر"، وبالأمس أعلن صالح العاروري أن "لا مفاوضات بشأن الأسرى قبل وقف اطلاق النار". وكان هذان التصريحان تعبيرا عن بداية السلوك السياسي الصحيح، الذي ينبغي أن يتبعه استمرار المعركة حتى لا يبقى جندي صهيوني واحد على أرض غزة وأن لا يتم تقليص مساحتها، وإلا لا قيمة للتضحيات التي تم تقديمها في غزة، ولا منطق في التراجع بعد أن تم دفع الثمن.
ويلي ذلك الحديث المهم عن مرحلة ما بعد انتهاء الحرب، مرحلة ما بعد حماس، كما يسميها الأعداء والمتآمرون والمُنكسِرون، حيث تخطىء حماس وقوى المقاومة إذا لم تأخذ زمام المبادرة، وتطرح رؤيتها بلا تردد، وهي أن صفحة "السلطة الفلسطينية" التي وقفت متفرجة في هذه المعركة، قد طُوِيت، وأن عهد مصادرة "منظمة التحرير" من قبل الحزب الحاكم - حركة فتح - قد انتهى. إن سلطة بكل مكوناتها وأحزابها الحاكمة والكرتونية لا تتحصل على 10% من أصوات الشعب الفلسطيني في فلسطين وفي الشتات، لا يحق لها أن تحكم، ولا يحق لها أن تسيطر على منظمة التحرير الفلسطينية، ولا أن تتحدث باسم الشعب الفلسطيني، ولا أن تجلس على أي طاولة مفاوضات وتخوض في أي ترتيبات.
لقد دخلت حماس هذه المعركة، وفق معطيات لم يتحقق بعضها، سواء على صعيد حجم وطبيعة مشاركة محور المقاومة أو على صعيد قوة التحركات الشعبية في الضفة الغربية، كما بدأ يتسرب من معلومات. إلا أن ذلك لا يؤثر على فكرة المقاومة ومحاربة الاحتلال، ولا يفت في عضد التحالف مع محور المقاومة، ولا يلغي الرهان على الضفة الغربية ساحة المعركة الأشد، ولا يشطب المكاسب الاستراتيجية التي تحققت، ولا يتعارض مع مبدأ أن الخطة الجيدة هي الخطة القابلة للتعديل.
عملت حماس على تعميق استقلالها عن "حركة الإخوان المسلمين" منذ إعلان وثيقتها الأساسية المعدلة عام 2017، وينبغي عليها أن تخطوا الخطوة النهائية بهذا الاتجاه. كما عملت على تعزيز الوحدة الوطنية من خلال "غرفة العمليات المشتركة"، وكان ذلك نواة جيدة لعمل أوسع وحقيقي، وتشكيل تحالف متين، يتعاطى مع نتائج صراعات التيارات داخل حركة فتح، فهذه ينبغي التحالف معها إن تمكنت من اعادة فتح لخطها الأساسي، ويتحالف مع حركة الجهاد الاسلامي والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والجبهة الشعبية - القيادة العامة، ومنظمة الصاعقة، والمبادرة الوطنية، وحركة فتح الانتفاضة، وجبهة النضال الشعبي بقيادة خالد عبد المجيد، وجبهة التحرير الفلسطينية بقيادة أبو نضال الأشقر (ولتبقى الجبهة الديمقراطية و فدا وحزب الشعب مع أبو مازن وسلطته)، والمؤتمر الشعبي الفلسطيني 14 مليون، ومؤتمر فلسطينيو الخارج، والمستقلين من أعضاء المجلس الوطني، والراغبين من أعضاؤه الآخرين، ومن ممثلي الاتحادات والنقابات والمنظمات الأهلية، ومن الشخصيات الوطنية والشعبية والعشائرية وممثلي الجمعيات الأهلية والقروية وكافة الفلسطينيين حيثما تواجدوا ... لعقد مؤتمر شعبي، في دمشق أو بيروت (وإلا ما معنى وما هو دور محور المقاومة إذا لم يتمكن من استضافة هذا المؤتمر)، يتم الإعلان فيه أن تلك الفصائل بقيادة الفصيل القائد وهو حماس، هؤلاء هم منظمة التحرير الفلسطينية، وليس أؤلئك الذين يختطفونها منذ عقود.
إن الشرعية التي يستند عليها هذا الفعل هو الشرعيتن النضالية والشعبية، وإن إهمال المنظمة هو خطأ قاتل يتيح لذات المجموعة التي أفسدت السياسة والثورة والمجتمع أن تعيد تجميع صفوفها الهشة المبعثرة لتعود للواجهة مرة أخرى، ولا ينبغي الخشية من مسألة إضعاف الشرعية الفلسطينية فتلك أوهام وفزاعات محلها سلة المهملات، لأن الفلسطينيون هم من يختاروا قيادتهم في المنظمة، ولا خيار أمام العرب الرسميين ودول العالم الا التعامل مع ذلك (كما حصل مع فتح المقاومة ومع منظمة الكفاح المسلح).
لم تنفع سابقا التشكيلات التي أُسست خارج المنظمة مثل جبهة الرفض أو جبهة الانقاذ كما لن ينفع الطرح الذي يتردد منذ فترة عن تشكيل جبهة وطنية عريضة، فليس أفضل للقيادة الحالية من تشكل جسم (آخر) خارج المنظمة، تماما كما كانت تلك القيادة تبارك كل انقسام وكل انشقاق في الفصائل وفي فتح. الفلسطينيون منقسمون منذ ثلاثة عقود، بين داخل المنظمة وخارجها، لذلك فإن الإنقسام داخل المنظمة (أي نقل الإنقسام داخل المنظمة بدل أن يكون بين الضفة وغزة) هو الخطوة في الاتجاه الصحيح، هو الموجع والمؤلم لهذه القيادة، وهو المكان الصحيح لتمايز البرامج، بين خط التسوية والاستسلام وخط النضال والمقاومة. لن يلتفت العالم إلى قيادة لا شرعية ولا شعبية لها، وبالتالي لا قيمة لاتفاقياتها، وهو ما نحتاجه، لنتمكن من تصحيح مسار ثورتنا وعملنا في مرحلة التحرر الوطني ومقاومة الاحتلال.
إن المترددين في حماس، وفي تيارات فتح، وفي الفصائل الأخرى، سيهدرون فرصة تاريخية، ونصر عظيم، وسيهدرون تضحيات كبيرة وغالية، وسيهدرون تضامن دولي لم يتحقق لغير فلسطين وشعبها، وسيهدرون فرصة هزيمة ركيزة استراتيجية للعدو وهي جيشه المجرم والتساؤلات حول مستقبل وجوده كدولة ومجتمع، إذا قرروا التعامل مع ما بعد السابع من أكتوبر 2023 بنفس معطيات ما قبله، من اجرام وتسويف دولي، و عجز عربي، وتخاذل رسمي فلسطيني.
وائل ملالحه - باحث