ماذا قدمنا للوطن؟!
د.ريما زريقات
من خلال متابعاتي الدقيقة والحثيثة لمواقع التواصل والتواصل الإلكترونية للوقوف على جميع المستجدات ومتابعة أي مشكلة أو شكوى أو اعتراض يتعلق بعملي – و كنت دائما ولفترة سابقة قريبة جدا أتابع وأحل كل الأمور ولا أنقل مشكلة أبدا ولا أزعج القيادات بها – أن الغالبية يطلبون ويريدون من الوطن كل في موقعه ، حتى أن البعض للأسف ربط محبته للوطن بماذا أخذنا وماذا قدم لنا الوطن ؟! وحقيقة أستغرب من هذا الطرح والتفكير .
الوطن أغلى ما نملك ، فهو الحضن الدافئ الذي يحتضننا ويعرفنا ويسامحنا ، نهلنا من حبه وشربنا ماءه واكلنا زرعه واستنشقنا هواءه ونسيمه العليل .
سألني أحد الأشخاص بعد تقاعدي ( غير المكتمل ) وقال لي حين كنت أدافع عن احدى المؤسسات الوطنية : لماذا ما زلت تدافعين علما بأن جميع المتقاعدين يتحولون إلى معارضة ، قلت له : لماذا ننسى أن الوطن قدم لنا الكثير، وقدمت لنا مؤسساتنا وحققنا أنفسنا ووصلنا لما تصبو إليه أنفسنا من مواقع قيادية وغيرها في مؤسساتنا ، و الحمدلله لم أكن إلا كلمة حق وناطق بالحق ومدافع عن حقوق الآخرين والمظلومين ، فلماذا أعارض ؟! وحتى لو كان تقاعدي غير مكتمل أعتبرته ترتيب رباني والنعم بالله .
أريد أن أحدثكم عن مكافأة الله لنا حين نخلص ونتفانى : حين عقدت الدورة الشتوية خلال شهر كانون الثاني وحين كنت مدير إدارة التعليم الخاص في وزارة التربية كانت جولاتي الإشرافية في مديريات محافظة الكرك واعتدت ذلك منذ سنوات ، حيث لا يقبل الغالبية بالذهاب والمتابعة للبعد عن مركز الوزارة خاصة وأن الغالبية يعودون لإنجاز العمل كمركز وزارة ، وكنت أتوجه صباح الامتحان للكرك أتابع قاعات وغرف القاعات وعقد الامتحان جميعها : ثم أعود أدراجي لعمان لأن اليوم الثاني هناك دوام ، وحيث أن إدارة التعليم الخاص تعمل كمديرية أيضا لمدارس محافظة العاصمة يما يقارب 10 مديريات كان لابد أن أكون على رأس عملي ، فداومت يوم 17 كانون الثاني أول يوم بعد انتهاء امتحان الثانوية العامة وبعد جولات السفر لمدة طويلة والبرد والظروف الجوية ، وقد كنت مرهقة ومتعبة ولكنني لم استطع لأن المواطنين ينتظرون وهناك ترخيص وتأسيس و قبولات وحجز ملفات وكتب للمحافظ والأمانة والدفاع المدني والعمل والمحكمة ووووو والوقت محدود ومحدد لهم أو لا يحتمل الانتظار ، وزاد تعبي ، وبكل مرة أنوي المغادرة ، لم أستطع لأنني لم أنهي العمل ومتابعة وتوقيع الملفات ، ويصادف اليوم التالي اجتماع للجنة التخطيط المركزية وهناك مواضيع لابد من مناقشتها واتخاذ القرار بخصوصها ، فقامت مديرة مكتبي الفاضلة بسحب جميع الملفات وقلت لها سأحملها للبيت لمتابعتها وقراءتها ( واجب بيتي كما أسميه ) وكابرت على نفسي وتحملت لغاية الساعة 5:15 مساء إلى أن أنهيت كل ما لدي ولم يبق ملف أو معاملة ، ثم هممت بالمغادرة وكان أهم ما لدي حمله هو مغلف اجتماع يوم غد، وكانت زميلتي مدير الخدمات التعليمية وزملاء آخرين متواجدين لضغط العمل بالإدارة ، فنزلنا الدرج ، وأنا أحمل المغلف وحقيبتي وبعد نزول شاحط وسأنزل الشاحط الذي يليه سقطت عن الدرج ولا أعلم ما الذي حدث أو كيف حدث ، وكل ما أتذكره هو الألم الذي تعرض له وجهي : جبيني وأنفي وفمي وباقي أجزاء وجهي وخاصة اصطدام نظارتي وهي على وجهي بالأرض والدرج ، وحين سقطت أرضا أتعلمون ما الذي أنقذني بمشيئة الله وحفظه : مغلف الورق كان قد سقط قبلي وسقطت فوقه ، فقد حفظ أحشائي الداخلية من الأذى والضرر البليغ ، شكرا يا الله ، شكرا يا رب ، بعد ذلك لا أعلم ما الذي حدث سوى أنني اسمع زميلتي تقول للزملاء بأن وجهي مليء بالدم وكأنه حلم ، تم نقلي لأقرب مستشفى ( والذي للأسف لم تعترف بدفع فاتورته وزارتي الحبيبة وقد سقطت أثناء عملي ) ، أضرار بليغة حدثت لي وبقيت بالمستشفى سبعة أيام ، والحمدلله زارني أعداد هائلة من التربويين على مستوى الوطن والوزارة وقياداتها وغير التربويين ، وتواصلت معي سيدتي صاحبة السمو الملكي الأميرة سمية حفظها الله ورعاها ، وإطمئنت علي بكل الوسائل المتاحة ، وارسلت لي أجمل الورود وأجمل تقدير ، وهذا رصيدنا في الحياة ، إصابات عديدة حدثت معي ، منها : ارتجاج في الدماغ ، وتمزق شديد في اليدين والكتفين والساقين وكسر بالعظمة الزورقية حيث استمر الجبص على يدي ثلاثة شهور وباليد اليمنى ، ولم أنفك والحمدلله عن متابعة العمل والإدارة طيلة فترة إجازتي ، ثم رفضت الدخول بلجان مركزية وقطعت إجازتي ب 16 شباط وأنا أضع الجبص على يدي وما زلت أتألم خاصة في هذا البرد القارص ، لكنني أشكر الله على نعمه بسلامتي وعافيتي .
أوجه كلامي هذا لكل مواطن يقدم وقدم للوطن ، ليس شرطا أن تكون المكافأة منصبا أو مالا أو ما نريد ، هناك الكثير لا يمكن تعويضه بكل مال ومناصب الدنيا الفانية ، فهناك الصحة والأبناء ومن نحب .
شكرا لله على كل يوم يمر علينا بصحة وعافية ومحبة ونكون بين أسرنا ومع أبنائنا ومن نحب .