مقالات مختارة

ماذا يحدث في غزّة؟

{clean_title}
الأنباط -
سليم النجار- وداد أبوشنب
مفردة "السؤال" وحدها تحيل إلى الحرية المطلقة في تقليب الأفكار على وجوهها، ربّما هدمها من الأساس والبناء على أنقاضها، كما أنَّها من أسس مواجهة المجازر وحرب الإبادة التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني في غزّة والضّفّة، من قِبَل الاحتلال الاسرائيلي٠ 
في هذا الملف نلتقي بعدد من الكُتّاب العرب الذين يُقدِّمون لنا رؤاهم حول ماذا يحدث في غزّة؟ 
 وما يستدعي الدرس والتمحيص والنقاش والجدال والنقد، لأنّ الأشياء تحيا بالدرس وإعادة الفهم، وتموت بالحفظ والتلقين٠
الدكتورة الأكاديمية جميلة الوطني من البحرين تكتب لنا من زاويته "ماذا يحدث غزة"؟

ماء نساء غزة على إسفلت فلسطين
د جميلة الوطني / البحرين
عضو أسرة الأدباء والكتاب البحرينية

1-الصهاينة المجرمون والجبناء
منذ 16 عاما وقطاع غزة يتعرض للتدمير الممنهج من قبل الصهاينة، وجاءت أحداث أكتوبر الأليمة لتقضي على ما تبقى من بنيته التحتية.
الصهاينة لا يحاربون كما يحارب المحاربون: مقاتل في وجه مقاتل ودبابة في وجه دبابة وفي ساحة المعارك، بل يحاربون وسط المدن الآهلة بالسكان كي يقضوا على ما تبقى من تلك البنية..
وما يحدث أيامنا هذه من استمرار تدمير الحرث والنسل واستهداف المدنيين في قطاع غزة رغم أنه يشير إلى احتمالات إفناء إنسان غزة إلا أنه يؤشر إلى أن فلسطين على مشارف استعادة أرضها للمرة الثالثة والبداية ستكون من غزة المكافحة البطلة الجسورة التي تقف وحيدة في وجه الترسانة الصهيونية.

2-توالي الانتصارات الفلسطينية عبر التاريخ
مرّتان حرّر رجال فلسطين وبمعونة العرب أرضهم.. في المرة الأولى تمكنت وبمعونة المسلمين من تحرير أرضها في عهد الخليفة عمر بن الخطاب في عام 636م، وفي المرة الثانية نجحت في استئصال اليهود وتحرير الأرض في عهد صلاح الدين الأيوبي في عام 1187م.
وظلت محرّرة إلى أن حلّ عام اللعنة العام 1948م حيث احتلت فلسطين بإعلان قيام دولة إسرائيل..  وها هي المرة الثالثة ثابتة كما يقال. فالانتفاضة التي اندلعت صباح يوم الأحد 22 أكتوبر 2023 تبصم بأن النهاية لا محالة ستؤدى الى انتصار فلسطين الثالث.. وأكرر الثالثة ثابتة كما تقول العرب. تبصم بأن الانتصار لغزة ولفلسطين رغم كلّ تلك الآلام والدماء.
ما نشهده الآن من عمليات عسكرية محمومة وهجومات غير مسبوقة من قبل قوات الصهاينة، وغارات طيرانها الجوية المكثفة على قطاع غزة وتسريع عمليات تدميرها للبيئة عبر القصف بصواريخ الفسفور المحرمة دوليا ليس سوى مؤشر إلى خوف تلك القوى المحتلة من تحقق وقوع الثالثة.. 
صحيح بأن الحصيلة موجعة إذ أسفرت عن تدمير جزئي للبيئة الطبيعية وهي تعد من الجرائم البيئية الكبرى وشبه تدمير كلي للبنية التحتية للقطاع وقتل الآلاف من المدنيين في جرائم يندى لها جبين الإنسانية وأقل وصف لها هي الإبادة الجماعية، تصوروا أن تقتل بل وتباد النساء الحوامل والفتيات اللائي سيصيرن في يوما ما أمهات في حملات صهيون البشعة للمقاومة الفلسطينية البطلة.. إن الحصيلة كارثية بكل المقاييس.. استشهاد ما يقرب من 20 ألف شخص في غزة، بينهم 5000 طفل و1000 امرأة وإصابة أكثر من 100 ألف شخص وتدمير أكثر من خمسة ألف وحدة سكنية وأكثر من 25 مستشفى ومركز صحي وما يساوي خمسة وسبعون مدرسة..
الحصيلة مرة والدماء على طرقات غزة تسيح، إلا أن الشواهد تقول مؤكدة بأن تلك الخسائر المادية والأرواح خاصة أرواح نسائها الشجاعات البطلات لن تذهب سدى.. فما هي إلا المؤشرات الدالة على أن فلسطين وعبر غزة ستستعيد أرضها. 
غزة برجالها وصمود نسائها واستبسال فتياتها وصبيانها تقاوم.. دون أن تولي أي أهمية للمبادرات العربية التي باتت عكس المبادرات الأوروبية بلا فعالية.. صحيح بأن تلك المبادرات التي لم تخرج عادة عن إصدار البيانات وخاصة بيانات الاستنكار والشجب ولم يكن لها فعالية على الأرض الفلسطينية لكنها وبدعم المبادرات الأوربية وبالتدخل الدولي أدت إلى اتفاقية الثاني من نوفمبر والراهنة.. 
وحده الشارع العربي والذي يشهد غليانا كبيرا من مظاهرات ودعم مجتمعي وشعبي كبيرين من يؤكد بتحركاته تلك مدى فعالية المبادرات الشعبية.. ولا ننسى الإشارة إلى المبادرة الفلسطينية الداخلية والتي تركت آثارا جد إيجابية وهي المبادرة العربية الشعبية للسلام في غزة وهي مبادرة أطلقتها مجموعة من المنظمات العربية والفلسطينية في أعقاب التدمير الصهيوني وتضمنت الدعوة إلى تحقيق السلام الدائم على أساس حل الدولتين، مع إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
لقد ظلت فلسطين طيلة تاريخها النضالي تستعيد أرضها.. بمعاول رجالها وحجارة أطفالها.. وها هي الآن عبر بوابتها غزة تحرر الأرض والعرض والإنسان.
إن بسالة رجال غزة ونسائها وتلك الدماء التي تسال أمام تخاذل الحكومات يعيدنا إلى حملات تحريرها إذ ثمة ما يربط بين ماضي فلسطين التحريري وحاضرها الثائر الآن ففي العام 636 قاد الخليفة عمر بن الخطاب جيشًا إلى فلسطين، وتمكن بمساندة مقاتلي فلسطين الأحرار من تحرير المقدس متخذا من غزة نقطة انطلاق وتموين للعمق المقدسي وفي العام 1187م، قاد القائد العسكري البطل صلاح الدين الأيوبي جيشًا إلى فلسطين، وبنفس طريقة الخليفة الخطاب تمكن من تحرير فلسطين. والآن تقوم القائدة الشجاعة البطلة غزة في الانطلاق والتحرك لتحرير فلسطين بمساندة نسائها المحاربات الشجاعات..

3-الانتصار المتوقع الموعود بسواعد الغزيين
في المرتين الأولى والثانية ساهم مقاتلون من خارج فلسطين في تحريرها وفي هذه المرة الثالثة تساهم مدينة غزة بأكملها برجالها ونسائها وأطفالها.. إن غزة بانتفاضتها تلك تعبر عن مبادرتها الحقيقية تجاه أرضها وتحريره.. ترى بعين المدرك لمدى فداحة موقف الحكومات العربية وخاصة تلك الحكومات المطبعة مع إسرائيل.
إن استشهاد زهاء 2200 امرأة غزاوية واصابة ما يزيد عن 2800 امرأة لن يذهب سدى فقد انطلقت نساء غزة مصحوبات بالرغبة الجارفة لتحرير الأرض والعرض والإنسان الغزاوي. وإنّا لغد لناظرون..
تابعو الأنباط على google news
 
جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الأنباط © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الأنباط )