رشيدة العلوي كمال- جامعة
محمد الخامس
تعد المعرفة
الدلالية حسب كارالاين باتيرسون وغيره (2007) Karalyn Patterson et al.شبكة عصبية موزعة في نطاق واسع من الدماغ، تشمل المعرفة بمختلف السمات الدلالية
للكيانات كالسمات المرئية والحركية والذوقية واللسانية وغيرها. وكل منها يتم تمثيله في منطقة معينة
من مناطق الدماغ. فالسمات المرئية مثلا يظهر تمثيلها في مناطق الدماغ التي تعالج
الشكل واللون المرئيين أو بالقرب منها. أما السمات التي تعكس طريقة حركة الكائنات،
فيظهر تمثيلها في مناطق الدماغ التي تستجيب لإدراك نوع الحركة أو بالقرب منها، في
حين يتم تمثيل السمات المرتبطة بالهيئة والطعم في المناطق اللمسية والذوقية من
الدماغ. وإذا كان الأمر يتعلق بسمات كائن بحري، مثل الأَسقلوب أو المحارات الصدفية،
فإن الإجراءات التي تتيحها صلاحيته للأكل، مثل القطع بالسكين والشوكة أو المضغ،
تدعمها المناطق الجبهية والجدارية. أما اسم الكائن وأوصافه الأخرى فتكون ممثلة في
مناطق بيريسلفيان اللغوية (perisylvian)، وما إلى ذلك. هذه المعرفة الدلالية قد
تتعرض لآفات ينتج عنها تدهورها في مستوى الدماغ. ويقترن ضعفها بأربعة
مسببات عصبية رئيسية، وهي تشمل: السكتة الدماغية(stroke)،
والعدوى الفيروسية (viral infection)،
التهاب الدماغ الهِرْبِسِيّ البسيط (herpes simplex virus encephalitis)
أو (HSVE)،
إضافة إلى شكلين من أمراض التنكس العصبي، وهما مرض الزهايمر(AD) والمتغير الدلالي للخرف الجبهي الصدغي، الذي عادة ما يسمى
الخرف الدلالي (SD).
وجميع هذه العوامل الأربعة تقدم أدلة مهمة على طبيعة وتنظيم المعرفة الدلالية،
ولكن من زوايا مختلفة. فإذا
تناولنا مثلا الخرف الدلالي، وهو إحدى الحالات التنكسية العصبية
التي تنتمي إلى طيف الخرف الجبهي الصدغي (fronto-temporal Dementia spectrum)،
يتسم هذا المرض التنكسي العصبي من الناحية السلوكية بالتدهور
التدريجي للمفردات التعبيرية والاستقبالية والمعرفة حول خصائص الأشياء اليومية، في
سياق يكون فيه الإدراك والذاكرة محفوظين جيدا فيما يرتبط بالأحداث المتأخرة.
وقد
كشفت النتائج الحديثة باستعمال التصوير بالإصدار البوزيتروني (PET)
أن المتلازمة المعرفية عند مرضى الخرف الدلالي قد تكون ناتجة في
جزء منها عن تشوهات بنيوية و / أو وظيفية في أي مكان في الشبكة الدلالية. كما أكدت
عدد من الدراسات اضطرابا وظيفيا في الفص الصدغي الأمامي في الجانبين عند مرضى
الخرف الدلالي، وزيادة في نقص التمثيل الغذائي على طولالفص الصدغي الأيسر السفلي، كما لوحظ نقص استقلاب إضافي (hypometabolism)
في اليسار في المنطقة العازلة (insula) وفيالمناطق الجبهية المدارية (orbito-frontal
area)،
وأخيرا، عدم وجود انخفاض كبير في الاستقلاب الغذائي في أي منطقة باستثناء الفصوص
الصدغية المنقارية (rostral temporal lobes).
كما تشير دراسات التصوير البنيويوالاستقلابي للمرضى الذين يعانون من الخرف الدلاليإلى أن التشوهات تكون أكثر وضوحا في الأجزاء الأمامية والسفلى
من الفصوص الصدغية. وأظهر
نيستور وزملاؤه Nestor and colleaguesأن نقص التمثيل الغذائي أكثر انتشارا عند مرضى الزهايمر مقارنة بمرضىالخرف الدلالي.
وهو يؤثر على المناطق الجبهية اليسرى، والقذالية الصدغية، والمناطق الصدغية
الجدارية. وهي المناطق التي تشارك في الشبكة الدلالية القشرية الموزعة والتي تبدو
طبيعية نسبيا عند مرضى الخرف الدلالي. ومع ذلك، يكون الضعف الدلالي أكثر اعتدالا عند
مرضى الزهايمر مقارنة بمرضى الخرف الدلالي، وجميعهم أظهروا نقص
التمثيل الغذائي في الفص الصدغي الأمامي.
ويعرف
مرضى الخرف الدلالي ضعفا دلاليا انتقائيا ينتج عن التشنج اللاإرادي الذي يؤثر على جميع طرق الاستقبال
والتعبير لمختلف أنواع المفاهيم. وهو ناتج عن آفات الدماغ
البؤرية، التي لها علاقة بتنكس الفصوصالصدغية الأمامية. ويكون الضمور ظاهرا في الفص الصدغي الأمامي الأيسر والأيمن. وفي
الجانب الأيسر يبدو أكبر (عند حوالي ثلثي حالات المرضى). ومن أبرز أعراض الخرف
الدلالي الفشل في تسمية الأشياء والمفاهيم
والأشخاص (anomia). وهذا الأمر مختلف عند الأصحاء، الذين
يفشلون أحيانا في تسمية شيء ما ولا
يستطيعون العثور على الكلمة المناسبة له في تلك اللحظة، وقد يجدونها في ظروف
مختلفة. أما فشل التسمية عند مرضى الخرف الدلالي فلا ينتجعن هذا النوع من صعوبة البحث عن الكلمات، ولكنه يعكس المعرفة
المتدهورة حول الموضوع أو المفهوم. ومثال ذلك، أنه عندما طُلِب من إحدى المريضات
تسمية صورة حمار وحشي، أجابت بأنه حصان، وأشارت إلى الخطوط متسائلة: ما هذه
الأشياء المضحكة؟ وقد يكون مرضى الخرف الدلالي قادرين على تحديد كلمة "تفاحة"
باعتبارها شيئا يؤكل دون أن يكونوا قادرين على تسميتها ب "تفاحة". كما
تكون لديهم معظم الوظائف المعرفية محفوظة بشكل جيد، بصرف النظر عن الذاكرة
الدلالية، إلى حدود المرحلة المتأخرة من المرض. ويتمتعون بإمكانات طبيعية معقولة
في الذكاء العام، وحل المشكلات، والوظيفة البصرية المكانية، والذاكرة قصيرة المدى،
والذاكرة العرضية، ومهارات الحساب البسيطة، وما إلى ذلك.
يظهر من خلال ما تقدم أن العمليات
الدلالية تتأسسفي النصف الأيسر من الدماغ. وهو ما كشفت عنه دراسات التصوير العصبي النفسي
والوظيفي التي أظهرت مشاركة شبكة واسعة موزعة في مناطق الدماغ الجبهي الصدغي تعالجالمعلومات المعجمية الدلالية. ويقصد
بها التمثيل القشري وتنظيم الذاكرة الدلالية لشكل ومعاني وسمات الكلمات وطريقة
توزيعها وترابطها بنيويا في الدماغ نظرا للروابط المباشرة وغير المباشرة التي
تربطها بأنظمة أخرى حسية حركية وحوفية وبروابط قشرية قشرية، تمكن من إضفاء معنى
عام عليها.