مقالات مختارة

الحرب خدعة ... قراءة أولية للخداع الاستراتيجي في معركة طوفان الأقصى

{clean_title}
الأنباط -
نجحت حماس في تحقيق خداع استراتيجي بين معركة سيف القدس حتى معركة طوفان الاقصى، كما صنعت مصر بين حرب الاستنزاف إلى حرب اكتوبر ١٩٧٣. حيث نجحت مصر في التعمية الاستراتيجية على نواياها في العبور، من خلال عدة مسارات، كان أهمها الايحاء بأن السادات لا يسعى للحرب، من خلال اعلاناته الصريحة ومن خلال الرسائل التي كان يسربها لزائريه وثيقي الصلة بالكيان الصهيوني، ومن خلال اجراءات عسكرية على مدار ثلاث سنوات من نقل للقوات المصرية الى حدود القناة واعادة سحبها، كتمرينات عسكرية، بهدف تعويد الجانب الآخر على حركتها، ومن ثم التراخي تجاهها، وصولا إلى طرد آلاف الخبراء السوفيات من مصر قبل العملية العسكرية بخمسة عشر شهرا، الأمر الذي يُفهم وبشكل نهائي بعدم نية مصر القيام بعمل عسكري بدون الحليف السوفياتي. 

تمكنت حماس من فهم تلك النظرية - نظرية الخداع الاستراتيجي - ومارستها باساليب مبدعة وخلاقة. ومن الخطأ بناء تصور يضع حماس في موضع مصر وسوريا، فهذه دول كبرى، امكاناتها وأطر عملها مختلفة تماما عما لدى حماس كقوة شعبية تخوض نضالا ومقاومة شعبية. لكن، التاريخ فيه دروس، تفيد الجميع، وقد نجحت حماس في تحقيق خداعا استراتيجيا على أعلى المستويات، من خلال ما يلي:

اولا: أوهمت حماس معظم الجهات الرسمية أنها غير معنية بالتصعيد، من خلال ضبط النفس العالي أمام ما تعرضت له حركة الجهاد الاسلامي من اعتداءات وعدم الانضمام إليها في عمليات الرد، وتحملت الخطاب المعادي والشعبوي في سبيل ذلك، وخلق ذلك صورة انقسام بين القوتين الرئيسيتين  لا يُستبعد أن يكون الطرفين شريكين فيها. 

ثانيا: رسمت حماس صورة لأهدافها في غزة من خلال تركيز المطالبات على فتح الميناء وزيادة عدد تصاريح العمال واستمرار المنحة القطرية، الأمر الذي فُهم منه عدم رغبتها استراتيجيا في العودة إلى الصدام وبالتالي "تخدير" حكومة الكيان الصهيوني والولايات المتحدة واللاعبين الاقليميين. 

ثالثا: رفعت الجهاد وحماس وتيرة الصدام في الضفة الغربية، وهي الجبهة الرئيسية بلا شك، وتم الايحاء أنها ستكون ساحة المواجهة القادمة، وبأن غزة قد قدمت التضحيات ونالت نصيبها من المعاناة وباتت مشاكل الحياة اليومية ضاغطة بشكل كبير جدا، يمنع التفكير في أي عمل عسكري بعيدا عن الرد المباشر برشقات صاروخية مدروسة. 

رابعا: في يوليو ٢٠٢٣، ذهبت حماس لاجتماع الأمناء العامين في القاهرة، وهو  الاجتماع عديم الجدوى بشكل مطلق من وجهة نظر قوى المقاومة كما كان محسوما، وهدف منه ابو مازن لاكتساب شرعية ما فقط، بينما امتنعت حركة الحهاد، وبذلك تم تعميق الفهم أن حماس معنية بالعمل الدبلوماسي وان الشق واسع بين الحركتين. 

خامسا: في ٣٠ اغسطس ٢٠٢٣ اعلنت حماس وغرفة العمليات عن استئناف مسيرات العودة، الامر الذي لم يلق نجاحا كبيرا بسبب الشعور بعدم الجدوى من الجمهور الفلسطيني بناء على التجربة السابقة، لعدم جني مكاسب رغم التضحيات الغالية. وكان هذا الاعلان حلقة جديدة للايحاء بأن هذه هي سقوف العمل الحمساوي. 

سادسا: تسريب أخبار عن "حدث كبير" قادم عبر جهات أخرى، الأمر الذي تم ربطه مع تطورات الملف الايراني النووي، تلا ذلك تسريب تفاصيل عن شكل عملية من غزة تتشابه كثيرا مع ما حدث فعليا، وهذا اسلوب متبع ويهدف إلى تعويد المستمعين على المحتوى لدرجة يفقد معها الاهتمام اللازم. وبالتالي، يسهل التقدم في الخطط دون اثارة الانتباه. 

سابعا: التعمية الاستراتيجية الكبرى عبر الاعلان عن خطط عبور وتحرير في الجليل الأعلى، و الايحاء أن ذلك سيناريو عمل لحزب الله، ودفع الانظار للتركيز عليه واحتمالية حدوثه، بينما يتم العمل على طوفان الاقصى من جبهة غزة. 
لعل هذه أبرز عناصر نجاح الخداع الاستراتيجي في معركة طوفان الأقصى، اما النجاحات العسكرية وسير المعركة، فهي موضوع المقال التالي. 

وائل ملالحه - باحث. 
تابعو الأنباط على google news
 
جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الأنباط © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الأنباط )