الأنباط -
د.منذر الحوارات
انقضت أشهر على تصويب أوضاع الأحزاب على اختلاف تسمياتها وتنوع توجهاتها، ولم يُلحظ أي فارق حقيقي في الحياة السياسية، فالفضاء العام ما يزال يسير برتابته المعهودة باستثناء بعض الاحتجاجات من بعض الناشطين المتمردين على مواقع التواصل الاجتماعي، سواء كان ذلك بنقد الحكومة أو التوسع ابعد بنقد النظام، أما بالنسبة للأحزاب فهي غائبة تماماً، إذ يمكن أن يتلقى أي مشتغل في المجال العام عشرات الدعوات لندوات ومحاضرات او نشاطات مختلفة ولا يصل اي دعوة من حزب أو مشروع حزب، وبرغم تعدد الهموم الوطنية وتزايدها وتعدد المخاطر الخارجية وتعمقها وازدياد خطورتها لم نسمع من حزب أو من قائده تعليقاً يخرج ولو قيد أُنملة عن الرأي الحكومي، فالنقد غائب وكذلك الانخراط الفعلي في القضايا العامة شبه معدوم.
غياب الاشتباك اليومي مع القضايا العامة وهموم المواطنين يجعل هذه الأحزاب في نظر المواطنين مجرد ديكورات لتجميل الحياة السياسية اكثر منها فواعل حقيقية، فجُل نشاطها يقتصر على النقاش الممجوج حول إدخال الشباب والسيدات في الحزب أكثر من انخراطها في أي عمل وطني يلامس همومهم، متناسية أنها حين تتبنى قضايا هذا القطاع ستجد هذين المكونين يتسابقان للانضمام إليها، لكن للأسف الشديد ورغم محدودية الدور المناط بهذه الاحزاب إلا أنها حتى الآن لا تستثمر الفرص التي تتيحها هذه الفترة المشمشية للتواصل الجاد مع المجتمع وتبني قضاياه المهمة، طبعاً باستثناء بعض الأحزاب التي تمرست العمل السياسي وهذه تدرك جيداً معنى ان تتاح مثل هذه اللحظة.
تؤشر طريقة إنشاء الأحزاب الجديدة إلى سرّ عزوفها عن العمل الجاد على القضايا الملحة بالنسبة للمواطنين، وابتعادها عن فكرة معارضة الحكومة أو التصدي لبعض قراراتها، فطبيعة التحالفات التي أُنشئت بموجبها هذه الأحزاب تفرض حكماً هذا السلوك، فهناك دوماً شخصية سياسية مهمة تعود جذورها الوظيفية إما الى الحكومات السابقة أو الكادر الوظيفي عالي المستوى وهذا يشي بأن هذه الشخصية تؤمن للحزب الدعم السياسي الذي يحتاجة، وتؤمن كما يدعي جزء من قادة هذه الأحزاب الوصول الآمن للمواقع البرلمانية والسياسية في الدولة، والشخصية الثانية هي عبارة عن رجل شديد الثراء يبحث عن إطار سياسي يؤمن له الجاه والعزوة، وهذان لا يحتاجان إلا الى الأدوات وهؤلاء ليسوا سوى الأعضاء بشيبهم وشبانهم وسيداتهم أيضاً، إذا ضمن هذا المعادلة لا ضرورة لإرهاق النفس، ومناكفة الحكومة بطريقة ربما تغضبها وبالتالي تؤدي الى نتائج عكس المُرتجى فالحكومات شديدة الحساسية مما يوجب الحرص دائماً على عدم إغضابها.
إن الوقوف بشكل مناهض للأحزاب والحزبية هو موقف معاد للتطور والحداثة، لكن علينا أن نقف بجدية وصرامة عند كل نقطة، فالتمويل الآن يناط بشخصيات طامحة للوصول الى موقع مرموق لكنه بعد قليل ربما يُسقط الحزب ضحية لدول ومؤسسات خارجية لها أغراض وغايات خبيثة، تتمكن باستخدام المال من الولوج في أدق المواقع وأكثرها حساسية، وكذلك الأمر بالنسبة للأشخاص فلا يصح أبداً أن يحتكر أياً كان الحزب لمصلحته ولأجنداته الشخصية فقط لأن له ارتباط سابق أو حالي بأجهزة الدولة، ما يتم تداوله ويصل الى مسامع المجتمع شديد الخطورة، يحتم وضع حد لنفوذ الأشخاص الذين يقتاتون على بعض انجازات الدولة وكذلك الممولين الأفراد والجماعات إذ يجب وضع سقف واضح للتبرع الشخصي بكل تفاصيله، بدون ذلك لا أعتقد أننا نؤسس لحياة سياسية صحية وصحيحة بل نوجد مداخل قانونية لأطراف عديدة للنفاذ للمؤسسات السياسية الأردنية وتحقيق أجندات مختلفة لا تمت للمصلحة الوطنية بصلة.
إن استمرار حصر الحزب بين شخصين موعود ومدعوم سياسياً يهمن على الحزب بهذا الدعم والوعد وداعم مالياً يهمن بواسطة المال على الحزب ما هو إلا إجهاض للحياة السياسية وقتل لأي أمل في أن نصل الى مستوى المؤسسات السياسية الراسخة في اي يوم.