البث المباشر
الملك يستقبل وزير الخارجية الصيني ويبحث سبل توطيد الشراكة الاستراتيجية الزعبي تؤكد أهمية الثقافة المؤسسية لتحقيق التميز واستدامة الأداء أورنج الأردن تمنح زبائن خط الخلوي "معاك" وخطوط "الزوار" أشهر مجانية من كريم بلس إطلاق حفل "أرابيلا" الثقافي برعاية مديرية شباب إربد مجلس مفوضي هيئة الاتصالات يزور شركة " كريم " أمنية إحدى شركاتBeyonترعى حفل سفارة مملكة البحرين في عمّان بمناسبة اليوم الوطنيوتعزّز العلاقات الأردنية البحرينية مدافئ الموت … حين تتحول الرقابة إلى شريك صامت في الجريمة "العمل" تبث رسائل توعوية لحث أصحاب العمل على الإلتزام بمعايير السلامة والصحة المهنية في منشآتهم كنيسة العقبة الأثرية: رسالة التسامح والتعايش بعد سبعة عشر قرنًا رئيس الوزراء يستقبل رئيس وزراء جمهورية الهند الذي بدأ زيارة عمل رسمية إلى المملكة إعلان صادر عن القيادة العامة للقوات المسلحة الأردنية - الجيش العربي/ دائرة التعبئة والجيش الشعبي حين يصير الهامش ملحمة: السخرية كذاكرة للطفولة والفقر ‏وزير الخارجية الصيني : الصين مستعدة للعمل مع السعودية للارتقاء بالعلاقات الثنائية إلى مستويات جديدة مديرية الأمن العام تحذر من المنخفض الجوي المتوقع مساء اليوم وفد كلية دفاع سلطنة عمان يزور مجلس النواب تجارة عمان تنظم لقاء تجاريا مع وفد من مقاطعة شاندونغ الصينية البنك الإسلامي الأردني يشارك بتكريم خريجي صندوق الأمان لمستقبل الأيتام منتدى التواصل الحكومي يستضيف وزير العمل الثلاثاء وزير العمل يلتقي وفدا من النقابة العامة للعاملين بالبترول المصرية 87.8 دينار سعر الذهب عيار 21 بالسوق المحلية

ذاكرة القضبان

ذاكرة القضبان
الأنباط -
للأسرة د/ سعاد غنيم
( الرواية تهتك تاريخ الظلم)
سليم النجار
توطئة
سعاد مصطفى غنيم من مواليد (الفريديس) قضاء حيفا- فلسطين، حاصلة على الدرجة الثالثة في القانون (الدكتوارة) من جامعة إكسترا- بريطانيا، سجنت ثلاث مرَّات في سجون الاحتلال الصهيوني: في العام ١٩٧٩، العام ١٩٨٣ ، والعام ١٩٩١.

ببلاهة، محتاراً وغير مُصدِّق، أخذتُ أرصدُ كلَ كبيرةٍ وصغيرة، وجوه وأصوات وسلوكيات، لشخصيات رواية الدكتورة سعاد غنيم (ذاكرة القضبان) الصادرة عن دار دجلة- عمَّان- ٢٠٢٢. أعوذ بالله ما الذي يجري؟ هل فقد الناس البصيرة؟ هل أصابهم العمى؟ حتى لو كانوا كذلك فهل فقدوا البصيرة؟ لا يفقد الأعمى البصر، أما نحن، من سنة إلى سنة للنكبة الفلسطينية التي وقعت علينا كالزلزال عام ١٩٤٨؛ فما عاد يكيفنا فقدان البصر. إنَّه العماء العميم، بصراً وبصيرة، لا يكاد ينجو منه أحد.
إذن تلك هي الأسباب الموضوعيَّة التي تندغم فيها أسبابي الذاتيَّة: قراءتي للكتاب ولكتابات الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي، فقد قرأت فيما مضى من حياتي ومن كتاباتي ما يعجبني وما لا يعجبني. بعبارة أخرى، ما دعاني إلى كتابة قراءة نقدية هو (العماء) الذي رأيتُه يضرب حيثما قلبتُ النظر. وما دعاني إلى الكتابة عن رواية "ذاكرة القضبان" أيضاً هو خوفي من أن يبلوني العمى فيذهب بصري وبصيرتي. والآن أنا على يقينٍ من أنَّني كنت سأعمى بصراً وبصيرةً لولا أنَّي كتبت (تاريخ العيون المغطَّاة بالعماء).
إنَّ ذاكرة الظلم هي التي تكشف فنتازيا الخوف من سرد ما حدث وما يحدث في سجون الاحتلال الإسرائيلي للمناضلات الفلسطينيات من قمعٍ وهتكٍ لآداميَّة الإنسان، الذي يتحوَّل في هذه الزناين- زنازين الموت- إلى رقم، وإلى ذكرى لمجازر تعرَّض لها الفلسطينيين على يد الصهاينة:(-يعني لمَّا الصهاينة يطخُّوني مش أرح أموت؟ طيب وإذا قطَّعوني مثل ما عملوا في دير ياسين؛ قطعوا الناس شقف حتى الصغار ص١١). وكأنَّ لسان حال الأسيرة الروائيَّة سعاد يقول أنَّ الفلسطيني جملةٌ منسيةٌ في جيبِ الذكرى خطفها مختلٌ عقليٌّ وألقاها فأستقرَّت في ذلك القلب الذي يحيا على الخوف والنسيان: (-يا بنت وين بدك توصّلي؟
- تحرير فلسطين يمّه.
- يا بنت تزوَّجي وبكفِّي.
- ما عندي وقت يمّه.
- لازم تتعلَّمي كيف تطبخي. ص١٨-١٩).
في وسط سرد الكاتبة سعاد تتسرَّبُ جبالٌ أخرى بدالها واسمها الظلال... ليسَّ في زنزانتها إلا الظلال... تتناسل بهمَّةٍ وتملأ حائطاً وحائطاً، والحوائط لها عيونٌ تهتكُ آداميَّة الإنسان: (أتنهَّدُ الصعداء، مازال الدم ينساب منِّي، تمنَّيت أن أكون بلا دورات، وأن تنقطع عنِّي للأبد، لكن، عليَّ أن أفكِّر في الحل ص٦٧). والعيون لا تُشغِلُ السجَّان بما تراه ولكنّها تُرعِبُ بكلِ ما تفيضُ عليهِ ثم تُصِرُّ ألَّا تحكي... حتَّى في ليالي الزنزانة،  لكن الكاتبة تحكي روايتها على الشكل الآتي:(يقتادوني من جديد، أتعثَّرُ بخطواتي، الصوت يتطاير من حلقي، صرخت في مجاهل الكيس النتن: -صامدون حتَّى الموت ص٧٩- ٨٠).
كُن شجاعاً واستأصلني؛ هي رؤية بين خلاسيَّة الموقف والوقت الذي يبحث عن السجان، فكلاهما ينسجان ذاكرة الإنسان الفلسطيني، عليه أن يتوقَّف عن الرواية، عليه ممارسة فن الصمت، وعليه العيش على ذاكرة المهاجرين الذين قدِموا من كل حدبٍ وصوب وأعلنوا "دولتهم" وعاصمتها الزنازين للفلسطينيين، عليهم تدشِّين الخوف في حجر العلاقات ما بين الإنسان الفلسطيني والسجَّان: (أقفُ عاريةً دون ملابس، أحسُّ بأنِّي مولودٌ يصرخُ غضباً، الصمت يلفُّني وعليَّ أن أسقطَ في حِبالِ مصيدتها، تأتيني من جديدٍ تلك الكلمات التي أردِّدها: الهدوء، الصمت، الصبر. أقف منتظرة خطواتها ونسيم العصر يلاطفُ جسديَّ العاري، ويلطِّف التورُّمات ص١٢٧).
وتستمر الروائيَّة سعاد في سرد حكايات العذاب التي تمتلئ بكل صور الهزائم والانكسارات، التي تحاول تكريسها صور الزنزانة، تخرج خارج أزمات الذات المفردة في محاولة لكشفِ أزماتِ الذَّات الجمعيَّة التي تحاول جاهدةً الخروج منها، فثمَّة إشارات ثقافيَّة مكثَّفة قويَّة في طبقات المعنى لهذه الإشارات، فالشيطان السجَّان الذي قرأ عذابات الفلسطيني يعرفُ قسوة الغربة والنبذ والنسيان من قبل ثقافة العماء. وكأنَّ الفلسطيني يعيش في كوكبٍ آخر لا علاقة له بالواقع، هي ثقافة الذكرى ذاتها التي جعلت الذَّات الكاتبة ترتحل مع المتلقِّي إلى سردها:(الروتين الجديد لم يكسر معنوياتنا بل على العكس تماماً، فقد زادنا صلابةً وإيماناً بأنَّنا سننتصر.
قُمنا باستغلال الفورة/ الفُسحة على أكمل وجه، مدَّة الفسحة ساعة واحدة فقط، نخرج فيها إلى الساحة، كنَّا نستغلُّها لإزالة الكسلِ والخمولِ عن أجسادنا واستنشاق الهواء ص١٥٤).
تركتني رواية "ذاكرة القضبان" للكاتبة الأسيرة المحرَّرة الدكتورة سعاد غنيم هكذا معلَّقاً ما بين السماء والأرض... هناك... بالضبط في منتصف المسافة، لا عنب الشام طالت يدي، ولا أصابني قضم من بلح الذي كان "اليمن السعيد ". لقد أوصلتني إلى النقطة التي يصعب معها المضيُّ قدماً أو التراجع، إنَّها ذاكرة القضبان.
© جميع الحقوق محفوظة صحيفة الأنباط 2024
تصميم و تطوير