الأنباط -
عندما انظر في الكثير من الامور التي تدور مجريات احداثها حولي.. ويشاء الله ان ارى تطوراتها وما ينجم عنها..
اتذكر نظرية "النافذة المكسورة" التي بدأها "فيليب زيمباردو" احد علماء علم النفس الاجتماعي.. والذي قام بتجربة في عام 1969.. حيث اصبحت هذه التجربة اساسا ومرجعا في علم الجريمة والعلوم الاجتماعية..
والتجربة قامت اساسا على سيارتين متشابهتين.. حيث وضع احداهما في احد الاحياء الغنية.. والثانية في احد الاحياء الفقيرة..
وقام بازالة لوحات الارقام وفتح ابواب السيارتين..
لاحظ ان السيارة الموجودة في الحي الفقير.. تم سرقة محتوياتها والعبث بها خلال دقائق من مشاهدتها في الحي.. وتم تدميرها كليا في مدة لم تتجاوز الثلاثة ايام..
بينما لاحظ ان الناس في الحي الغني لم يقوموا بالعبث وتدمير السيارة.. ويكتفون بملاحظتها.. فقام "زمباردو" بكسر احدى نوافذ السيارة.. امام من كان متواجدا..
فما كان من المارة والمتواجدين الا ان بدأوا بتكسير وتدمير السيارة.. وبعد ما يقرب من الثلاثة ايام اصبحت السيارة محطمة بالكامل.. وهو تقريبا نفس الوقت الذي استغرقه تدمير السيارة في الحي الفقير..
وبناءا على هذه التجربة اكمل كل من "جورج كيلينج وجيمس ويلسون" الدراسة ولكن بانماط واشكال مختلفة.. وخرجا بنظرية اسمياها "النافذة المكسورة"..
والتي تتلخص بان اي ترك او اهمال.. لاي مشكلة صغيرة او كبيرة دون معالجة سريعة لها.. وفي اي بيئة كانت.. سيؤدي الى إحداث وظهور سلوك بشري سلبي تجاهها.. الامر الذي سيطور المشكلة ويُفاقمها..
وحين تتم معالجة المشكلة في بداياتها.. سيتم ايجاد بيئة جيدة وسلوك راقي.. تؤطر تلك البيئة
مما تم ملاحظته ايضا.. ان من قاموا بالسلب والتكسير لم يكونوا من اصحاب السوابق ولا العدوانيين بطبعهم.. وانما من المواطنين العاديين..
ولكنهم عندما شاهدوا تكسير النافذة بكل ثقة وبرود.. اقتنع العقل لديهم برسالة غير مرئية بان لا حساب ولا عقاب ولا احد مهتم ومكترث بما حدث للسيارة.. فتشجعوا وخرج من دواخلهم ما كانوا يكبتونه من افكار وسلوكيات سيئة وسلبية..
وهنا نستطيع اسقاط هذه النظرية على الكثير الكثير من تصرفاتنا وما ستؤول اليه ان تركنا الامور على عواهنها دون مراجعة ومكاشفة وتصحيح..
فعندما يقوم احدنا بالقاء شيء من نافذة سيارته.. سيكون عاملا محفزا للكثيرين ممن يشاهدونه بالقيام بنفس الفعل او اكبر منه..
وعندما تشاهد ان هناك من يلقي القمامة في غير المكان المخصص لها.. سوف نجد ان هناك من يقلده ويفعل نفس الفعل..
ولو ان قانونا صارما تم تطبيقه على من يبدأ الغلط.. فان الكثيرين سيتجنبون حتى المحاولة..
وفي العلاقات الاسرية نجد ان اي خطأ جسيم.. كان اساسه تراكمات لاخطاء صغيرة.. لم يلقي لها الواحد بالا.. فاصبح ارتكاب العظيم منها مستساغا.. لان لا رادع ولا عقاب ولا نهي ولا توضيح لها في البدايات..
وحتى في النطاق العام.. اكان السياسي او الاقتصادي او الامني او اي مجال.. نجد ان المشاكل والفساد والترهل لم تأتي كلها بشكل مباشر وسريع..
وانما هي بناء سيء على فعل بسيط لاناس سيئين.. لم يتم الاخذ على ايديهم حين اكتشافهم او الشعور بفسادهم.. فتشجع غير السيء لينال من الغنيمة والتركة التي لا حساب ولا عقاب على نهبها..
فاصبح الفتق اكبر من ان يُرتق.. واصبح الترهل سمة دارجة.. والفساد منظومة يشد بعضهم بعضا.. ويدافع بعضهم عن بعض.. ويزكون بعضهم..
ومن هنا اطلق نداءا لكل انسان.. بان اصلح النافذة المكسورة في حياتك.. قبل ان تؤثر سلبا على كامل بيئتك.. واسعى لأن تصنع ارثا جميلا معافى.. يصلح لنا ولمن هم خلفنا..
ابو الليث..