مقالات مختارة

تجريم الانتحار ما بين الحقيقة والخيال

{clean_title}
الأنباط -
اللواء المتقاعد مروان العمد

انشغل الاردنيون خلال اليومين الماضيين بتناقل خبراً مفاده أن مجلس النواب قد اقر قانوناً يجرم الانتحار والشروع به ، ويضع عقوبة عليه .
وقد اثار هذا الخبر بالصيغة التي نشر بها ، او التي تعمد البعض نشره فيها والتعليق عليه ، دهشة الاردنيين جميعهم واستغرابهم واستهزائهم ، لا بل هجومهم على الحكومة ومجلس النواب الذي اقره متسائلين كيف يمكن توقيع العقوبة على منتحر ، ومدى جدوى توقيع العقوبة على من يشرع بالانتحار استناداً الى ان هذه العقوبة لن تمنع من يريد الانتحار من اعادة محاولة تنفيذ رغبته بالانتحار . وعلى ان الذي يقوم بالانتحار او الشروع في الانتحار
هو شخص مريض نفسياً بحاجة الى علاج في حال لم تنجح محاولته ، وليس الى العقوبة . علماً ان هذه ليست حقيقة مطلقة فقد يكون الانتحار نتيجة المعاناة التي كان يعاني منها المنتحر لاسباب اقتصادية ويدخل من ضمنها البطالة والفقر والتهميش ، او اجتماعية او نتيجة فشل في موضوع او مشروع ما ، او لاسباب عاطفية .
وقد هالني الاجماع شبه التام على هذا المفهوم ، وعدم محاولة احد الرجوع لنص المادة القانونية المقترحة لشرح هذا النص وتفسيره ، مما حفزني لاعود للكتابة بعد انقطاع متعمد لاكثر من شهر ونصف .
و سمحوا لي في البداية ان اوضح ان قانون العقوبات الاردني الساري المفعول لم يجرم عملية الانتحار التام مهما كانت اسبابه لانه كقاعدة قانونية فأن العقوبة عن اي جريمة تسقط بالوفاة .
. والانتحار هو جريمة يرتكبها المنتحر بحق نفسه وبحق الحياة التى وهبها الله له ، وهو عمل مخالف لشرع الله وان من واجب الحكومة المحافظة على حياة مواطنيها حتى من انفسهم ولو كان باستخدام قوة القانون اذا لزم الامر . كما ان القانون يخلوا من تجريم الشروع بالانتحار ، على قاعدة ان من تهون عليه حياته لن تردعه عقوبة بالحبس او الغرامة المالية .
ولكن ارجوا ان تسمحوا لي بأن اوضح ان النص القانوني المقترح والذي وافق عليه مجلس النواب لا يتضمن اي عقوبة على عملية الانتحار التام ، كما انه لا يتضمن اي عقوبة على جميع عمليات الشروع بالانتحار ، باستثناء تلك التي تضمنتها المادة القانونية المقترحة والتي تنص على ( يعاقب بالحبس مدة لا تتجاوز ستة اشهر وبغرامة لا تزيد على مائة دينار ، او بإحدى العقوبتين ، كل من شرع في الانتحار في مكان عام ، وتضاعف العقوبة إذا كان ذلك باتفاق جماعي ) . وذلك بعد كثرة حالات من يدعون نيتهم في الانتحار ويهددون بالقاء انفسهم من اماكن مرتفعة او من جسور وابراج عالية ، او بحرق انفسهم امام الناس وبشكل علني . وهم في غالبيتهم يهدفون من وراء فعلهم هذا استقطاب تعاطف الناس مع قضاياهم الشخصية ، ولتحقيق مطالب خاصة بهم ولو على حساب غيرهم ممن يستحقون تلبية مطالبهم اكثر منهم ، ودون ان تكون نيتهم منصرفة لتحقيق فعل الانتحار . لانه لو كان قصدهم الانتحار لنفذوا ذلك في اي مكان وهم لوحدهم دون وجود من يمنعهم من الانتحار كما في الغالبية العظمى من عمليات الانتحار . او على الاقل لقاموا بالقفز فوراً ودون انتظار حضور النظارة والمشاهدين وحملة الهواتف والبث المباشر ، والدفاع المدني والأجهزة الامنية . لتنتهي المسرحية بالاعلان بأنه تم اقناعهم بالعدول عن الانتحار . بعد قيامهم بكل هذه الافعال والضجة وتعطيل حركة السير واشغال الاجهزة الامنية . ولتقوم الفضائيات المختلفة بتداول هذا الخبر صوت وصورة في مختلف انحاء العالم مما يمس بسمعة الاردن .
ولا احد يستطيع ان ينكر ان هذه الحالة اصبحت تتكرر في الاونة الاخيرة كثيراً ، واحياناً على شكل جماعي من اجل تحقيق مطالب معينة ، في حين انه لا توجد نية حقيقية لدى اي واحد منهم في الانتحار .
الا ان البعض ظل يدافع عن الذين
يقومون بذلك ، ويبرر فعلتهم هذه بانها نوع من الاحتجاج ، وبانهم لم يجدوا طريقة اخرى لتحقيق مطالبهم الا هذه الطريقة . وبالرغم من وجاهة هذا الطرح ولكن كيف ستكون امور الحياة لو لجأ كل مواطن له مطالب خاصة لهذا الاسلوب لتحقيق مطالبه ؟ وكيف اذا كانت هذه المطالب غير محقة اوغير قانونية او لاسباب شخصية كما في الكثير من الحالات ؟
وقد يقول البعض انه يجب معاقبة المسؤولين الذين وضعوهم بظروف تدفعهم للانتحار ، او محاولة الانتحار من خلال تحسين ظروف حياتهم بحيث لا يعودون يفكرون بالانتحار طالما بالامكان تحقيق ذلك . و انا اتفق معهم بهض الشيئ في ذلك . ولكن هل معالجة هذا
الامر تكون بتركهم ينتحرون او اباحة شروعهم بالانتحار سواء اكان حقيقي او تمثيل ؟
وقد قال البعض ان وضع عقوبة لمن يقومون بمثل هذا المحاولات سوف يزيد من حالات التهديد العلني للقيام بها ، ولكني ارى بأن الدفاع عمن يقوم بمثل هذا المحاولات ، وعدم سن تشريع للحد منها ، هو الذي سوف يؤدي الى زيادة عددها . اما في حال وضع عقوبة مناسبة لها فأنها سوف تخفف منها ، لانهم في الاساس لا ينون الانتحار بل يلوحون به ، واذا فرضت عقوبة على هذا الفعل فأنهم سوف يفكرون الف مرة قبل القيام بذلك .
قد يكون كثير ممن تناولوا هذا الخبر بالطريقة الخاطئة فعلوا ذلك عن حسن نية . ولكن مما لا شك فيه ان حسن النية هذه قد غابت عند البعض ، وخاصة ان منهم من هم على درجة من العلم والثقافة والمعرفة وحتى التخصص الذي يمكنهم من التميز ما بين الغث والسمين .
علماً ان هذه العقوبة موجودة في عدة قوانين في العالم بعضها يعاقب بالحبس والغرامة ، وبعضها بالحجز في مراكز العلاج النفسي .
وانا ان كان لي انتقاد على هذه المادة فهي من حيث الصياغة ، والتي كان يجب ان تكون اكثر توضيحاً بأنها تستهدف فئة من يدعون الانتحار ، ولانها لم تتضمن بنداً ينص على تحويل من يقوم بذلك للتقييم النفسي قبل تطبيق العقوبة عليهم . واذا ثبت انهم يعانون من مشكلة نفسيه لا تطبق العقوبة بحقهم ، بل يتم اخضاعهم للعلاج النفسي .
هذه وجهة نظري واحترم وجهات نظر من يخالفني بذلك .
تابعو الأنباط على google news
 
جميع الحقوق محفوظة لصحيفة الأنباط © 2010 - 2021
لا مانع من الاقتباس وإعادة النشر شريطة ذكر المصدر ( الأنباط )