الأنباط -
دولة كالأردن تمكنت على مدار العقود الماضية من تجاوز أصعب الظروف والمواقف والتحديات على مختلف الأصعدة، فمنذ بدايات تشكل الدولة وهي تقود تحولات جذرية في المنطقة، حيث الشرارة الأولى في الثورة العربية الكبرى، وما تلاها من حروب عسكرية مع الاحتلال، حيث استمر البناء والتطور رغم ذلك.
في السنوات العديدة الماضية كانت التحولات السياسية في المنطقة أكبر تحدي قد تواجهه أي دولة في العالم، حتى بتنا محاصرين بأزمات في دول الجوار، لنعاني الأمرين لاحقا بعد أن حطت ركاب دونالد ترامب في أميركا وهو الرئيس المتطرف والمنحاز لدولة الاحتلال، وقد أعلن عن ما عرفت في حينه بصفقة القرن، وما صاحبها من ضغوطات اقتصادية وسياسية للقبول بها. اليوم ومنذ عامين يعاني العالم والأردن جزء منه من أزمة كورونا، الأمر الذي زاد من أعباء الاقتصاد، حيث شدد من قضبته على الأردن وسكانها.
رغم كل ذلك، ما يزال هذا البلد صامدا يحاول تجاوز كل هذه التحديات، نجح وما يزال يحقق الكثير، لكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد، فليس من المنطق أن نواصل تصدي الهجمات دون أن نفكر استراتيجيا ومؤسسيا بما هو قادم. ليس من المعقول أن نواصل تجاوز التحديات كلما أتت، دون أن نستبق حدوثها بحيث نكون جاهزين للحد من تأثيراتها الكبيرة.
لكن كيف يحدث هذا، وماذا نحتاج؟
المجهول القادم خطير جدا على كافة الأصعدة، سياسيا واقتصاديا، وحتى اجتماعيا، وكل ذلك نتيجة لسوء الإدارات المتتابعة لكافة الملفات، فالحكومات لم تقم بدورها المطلوب منها، عملت بلا إرادة، والعديد من المسؤولين يحملون حب الوطن في قلوبهم كشعار لا كعمل وتضحية ونهج يضعونه بين عيونهم وهم يديرون مؤسساتهم، ناهيك عن غياب مخافة الله.. لا أريد أن اتحدث عن الضمائر، فالله أعلم بها حيث باتت المصلحة الشخصية تطغى على المصلحة العامة.
هذا ما ينقص الأردن حتى تضع اللمسات الحقيقية على مستقبلها، حيث أولادنا يحتاجون منا أن نقدم لهم دولة بنموذج متطور ونهضوي وحضاري، وأن يكون ذلك عبر العمل بجد بعيدا عن المزاجية والتجاذبات السياسية، والهرولة نحو الكرسي والألقاب من أجل اشباع غرور ذاتنا التي تأبى إلا وأن تكون الأولوية لها.
الحكومة الحالية، لم تكن بأحسن حال مما سبقها، فمركبها لم يتحرك بعد رغم مرور أكثر من عام على توليها زمام أمور السلطة التنفيذية، حيث تملك مركبا بلا شراع، لم يطأ البحر بعد، إذ ما يزال يسير وسط صحراء قاحلة لا يرى فيها سوى السراب. هل هذا ما يستحقه الأردن بتاريخيه، وهل هذا ما يحتاجه البلد في مئويته الثانية.
على المسؤول أن يجوب الشوراع ويسأل الناس عن رأيهم بما يجري، ويطرح عليهم تساؤلا بحجم الوطن: هل هم متفائلون؟.. حتما لن يصعب على أحد الإجابة على هذا السؤال، فالكل يجمع على أن القادم في ضوء معطيات الحاضر لا إشراق فيه!.