الاستقلال والتعليم (١) بحث آفاق التعاون بمجال الطاقة مع سوريا ارتفاع أسعار النفط عالميا في التعاملات المبكرة 16 شهيدا جراء قصف الاحتلال على قطاع غزة الأمن العام: العثور على الطفلين المتغيبين عن منزل ذويهما في عمان وهما بحالة جيدة طقس لطيف ودرجات حرارة معتدلة في اغلب المناطق حتى الجمعة حدقة العين تكشف الصدق من الكذب! دراسة جديدة تحذر: الجلوس لفترات طويلة قد يسبب الزهايمر حالة الطقس المتوقعة في الأردن من الأربعاء حتى السبت البنك العربي يطلق حملة ترويجية خاصة بالقروض السكنية اتفاقية تمويل بين بنك الإسكان وبنك التصدير والاستيراد السعودي بقيمة 10 مليون دولار أمريكي 7 أطعمة غنية بالماء.. درعك الطبيعي ضد الجفاف في الصيف خبير عالمي لـ”الأنباط”: النفط في الأردن تجاري لكن تكلفة استخراجه مرتفعة مقارنة بالاستيراد نزيف الكفاءات في غزة.. كيف تؤثر الهجرة على مستقبل القطاع؟ طوفان الاستقلال وطوفان غزة جلسات الحكومة في المحافظات: كسر للمركزية المفرطة. ارتفاع مؤشرات الأسهم الأميركية البرلمان العربي يستنكر استخدام الاحتلال الإسرائيلي للذكاء الاصطناعي في حربه على غزة وزير الأوقاف يلتقي ممثلي بعثة دائرة الإفتاء في المدينة المنورة حسين الجغبير يكتب : قرار تحفيزي مثمر

د. عبد الله الطوالبة يكتب:سلوك أكثر من منحرف!

د عبد الله الطوالبة يكتبسلوك أكثر من منحرف
الأنباط -
د عبدالله الطوالبة
ضحاياها في تزايد كل عام وأحياناً كل شهر، ومع ذلك فإنها تتأبى على الإنحسار في حدود معقولة على الأقل.
الكل يدرك أنها قد تودي بحياة انسان بريء، أو تتسبب بعاهات او اعاقات جسدية. ومع ذلك، ثمة في مجتمعنا من يتراءى له أن الفرح لا معنى له ولا طعم ما لم تتخلله لعلعة الرصاص!
لا أحد بيننا يخفى عليه، أن الابتهاج بإطلاق العيارات النارية قد يقلب الفرح إلى مأتم خلال لحظات، ويحيل الزغاريد إلى صراخ والأغاني إلى عويل. لكن ثمة من يُصر على أن هذا الفعل الطائش الأرعن جزء من العادات والتقاليد. 
أما تنظيراتنا ذات العلاقة، فغالباً ما نضمنها تعابير مسجوعة مثقلة بالزخارف والزينة، من نوع إن اي فعل لا يراعي حرمة حياة الإنسان ولا يلتزم بحقه في الأمان، لهو سلوك عن التحضر بعيد والى الرعونة أقرب وبالتوحش لصيق. وفي المقابل، تمد لنا هذه الظاهرة لسانها، لا بل وتتحدى متخذة طابع الفعل الجماعي، كما لاحظ العالم كله، في عصر الفضاء المفتوح، كما حصل عقب اعلان نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة. 
وفي السياق أيضاً، يتراءى لنا أن أسخف ما ألفيناه يتردد منذ سنوات بهذا الخصوص، ذاك القول المفاده ان الظاهرة دخيلة علينا، وكأن مجتمعنا يتشكل من ملائكة وأنبياء وفلاسفة! 
بطبيعي أمرها، فإن ظاهرة من هذا النوع ليس منبتة الجذور الإجتماعية. لنكن صرحاء أكثر، ونتعامل مع الحقيقة المرة، التي في فمها سمٌّ لكن في بطنها عسل. لنعترف ان ثقافتنا تشجع ظاهرة إطلاق الرصاص في المناسبات والأفراح، لا بل وتغذيها. 
هنا الأدلة متكثرة، وسنعرض لها بأقصى ما يمكن من اختزال. ألا نتمسك بوصف "الطائشة" للرصاصة المنطلقة من بندقية بيد طائش أرعن، عندما يكون الضحية إنسان بريء جريرته انه يشارك في فرح او مرَّ بالقرب من مكانه أو يحتفي جيرانه بتخرج او بزواج او بفوز ابنهم البار بالنيابة؟! 
الصحيح، أن تُسمى الرصاصة القاتلة وليس الطائشة، والفعل ذاته بالقتل العمد، حيث يفترض ان يأخذ القانون مجراه ونطوي إلى الأبد صفحة إنهاء عقوبة المتسبب بجريمة حتى لو كانت القتل بـ"فنجان قهوة". بيننا من لا يزال يظن ان هذا الأسلوب دليل تسامح يجب التمسك به، والحقيقة أنه تشجيع على التمادي في الاستهتار بأرواح الناس ومشاعرهم. 
وفي سياق متصل أيضاً، نذكِّر بالحماس المتدفق من جانب أهل المناسبة لمطلق العيارات النارية بعبارات لا تقل رعونة عن الفعل ذاته من نوع :"الله حيوه"، و"تسلم ايدك"، ناهيك بموجة الزغاريد التي تنطلق عادة فور سماع "صوت الْرِّدْنِيَّة" وكأنها تدعو إلى مزيد. 
كنا قد أشرنا فيما سبق إلى الاعتقاد بأن إطلاق الرصاص في المناسبات، جزء من العادات والتقاليد المتوارثة. واذا بحثنا عن تمظهرات ذينك الاعتقاد في ثقافتنا فإننا واجدوها في العديد من الأمثال الدارجة والتعابير المتداولة من نوع :"اذا انجنوا ربعك عقلك ما بينفعك"، و "اعرف مع مين تحكي"، و"خاوة". وكلها تحمل في طياتها نوعاً من الاستعراض وإثبات الذات، ولو بالتظاهر وممارسة العنف المعَبَّر عنهما بإطلاق الرصاص عندما تُتاح الفرصة. 
على صعيد الحلول لهذه الظاهرة المزمنة في مجتمعنا، فقد تضمنت مروحة واسعة من الاقتراحات شملت تغليظ العقوبات وتكثيف حملات التوعية وتفعيل القوانين والمعالجات الأمنية. ومع اقرارنا بأهمية ذلك كله، إلا أننا نعتقد بضرورة تشخيص الظاهرة وإبتداع إضافات جديدة للحلول المقترحة بمنظور علم النفس التحليلي. فالربط بين الفرح والعنفوان، هو انحراف سلوكي تمس الحاجة إلى هذا العلم للخروج بمقاربات اضافية على صعيدي التوعية بمخاطره واستئصاله. 
كما أن الظاهرة في جزء منها، نتاج شعور بالنقص يتم انتهاز فرصة إطلاق الرصاص للتعويض عنه. وفي جزء آخر، تستبطن نوعاً من التحدي للمجتمع ومؤسسات الدولة، مثلما تشي بميل إلى الفلتان ينتظر الفرصة. وقبل هذا وذاك، فإنها تشير إلى اخفاق في المنظومة التربوية التعليمية بتحقيق التنشئة المتوازنة ثقافياً وسلوكياً. 
ولا بد أن الدراسات المختصة من زاوية علم النفس التحليلي ستلحظ حجم الكبت المتراكم داخل الإنسان الأردني في ظروف تتسع فيها جيوب الفقر، وتتزايد نسب البطالة، ويشعر الشباب المتعلم بإنسداد آفاق الأمل قبل التخرج وبعده. يضاف إلى ذلك، كم الخيبات التي يترنح فيها الواقع العربي عموماً على أكثر من صعيد. وعندما يتراكم الكبت، فمن الطبيعي أن يبحث عن متنفس، ولو كان إطلاق الرصاص بمناسبة أو حتى من دونها. 
لكن الحل ممكن، وذلك بأخذ ما أنف بيانه بنظر الاعتبار، بحيث يتأسس على ثلاثة مرتكزات رئيسة وينطلق منها، وهي:
أولاً: الاستثمار في طيبة معدن الإنسان الأردني رغم الظروف الصعبة، وفي رصيده من الوعي الذي يمكن الرهان عليه. 
ثانياً: أسلوب الفزعة يضر أكثر مما ينفع. إذن، لا بد من تضافر جهود المجتمع والجهات المختصة في مكافحة هذه الظاهرة، ضمن منهج علمي يتصف بالمؤسساتية والديمومة. 
ثالثاً: لا أحد بمنأى عن النتائج المؤلمة المتوقعة لإطلاق الأعيرة النارية في المناسبات، بما في ذلك مطلقوها. 
مقصود القول، المكافحة تبدأ بوعي مختلف، ينهض على قناعة تتعالى على الشعاراتية الإنشائية، وتُحدث أثراً في السلوك. وعي يرى أن ربط الفرح بإطلاق الرصاص سلوك اكثر من منحرف، بله ظاهرة بشعة، لا يليق بالأردنيين أن ترتبط بهم. وقد بدأنا نلاحظ في الآونة من يستغل الرصاص المنهمر في المناسبات، للنيل من سمعتنا في الخارج ورمي الأردنيين بما ليس فيهم.
© جميع الحقوق محفوظة صحيفة الأنباط 2024
تصميم و تطوير