بلال العبويني
أكبر تحدٍّ أمام الدولة الأردنية اليوم يكمن بالأزمة الاقتصادية الخانقة والتي مع الأيام تزداد تعقيدا وتتشعب أكثر رغم الحديث بين الحين والآخر أن هناك مؤشرات اقتصادية إيجابية.
غير أن تلك الإيجابية سرعان ما تتبخر عندما يبدأ المسؤولون اختلاق مبررات مختلفة بعد عدم لمس أثر تلك الإيجابية على المؤشر الاقتصادي العام أو على حياة المواطنين بشكل مباشر.
من تلك ما تحدث به وزير المالية عز الدين كناكرية، قبل أسابيع، عن انخفاض قيمة إيرادات الخزينة نتيجة انتشار السجائر الإلكترونية، بالإضافة إلى تحول البعض نحو اقتناء سيارات كهربائية وهجينة والتخلي عن سيارات الوقود التقليدية.
الكثير من المختصين الذين نتحدث إليهم، يرسمون صورة سوداوية للواقع المر الذي نعيشه، مع إبدائهم نوعا من عدم التفاؤل للخروج من الأزمة في المدى المنظور.
غير أن تقريرا مثيرا للاهتمام، أنتجه الصحافي نبيل حمران ويحتاج إلى وقفة جادة للتحقق من مدى دقة ما خلص إليه للخروج من أزمة تصاعد أرقام المديونية.
التقرير يرتكز على أرقام صادرة عبر سنوات طويلة عن البنك المركزي الأردني، ويشير إلى أن السنوات التي شهدت تقدما على الصعيد الديمقراطي المحلي كانت أرقام المديونية تتقلص فيها بشكل مثير، في حين تتصاعد في السنوات التي شهدنا فيها تراجعا ديمقراطيا.
ما العلاقة بين تقلص أرقام المديونية وبين التقدم نحو الديمقراطية، هذا ما لم يجب عليه التقرير، غير أن الأرقام لا تكذب، كما هو معلوم، وبالتالي هي تتحدث هنا بصدقية مطلقة ما يدعو إلى مزيد من الدراسات للإجابة على سؤال العلاقة بين المديونية والديمقراطية.
يشير التقرير إلى أن المديونية “تقلصت أكثر من مليار دينار على مدار 4 أعوام بعد عودة الحياة البرلمانية إلى البلاد عام 1989”.
حيث تراجعت المديونية، من “6404 ملايين دينار عام 1989 إلى 5373 مليون دينار عام 1993، وهو العام الذي أُقر فيه قانون الصوت الواحد أول إرهاصات تراجع التجربة الديمقراطية في البلاد.”
المسؤولون طالما عزوا السبب الرئيس في تضخم المديونية إلى عوامل إقليمية، مثل تداعيات ما سمي بـ "الربيع العربي"، وانقطاع إمدادات الغاز المصري وارتفاع أسعار النفط عالميا، واغلاقات الحدود الأردنية مع العراق وسوريا وغير ذلك.
غير أن التاريخ يخبرنا بأزمات شبيهة تعرض لها الأردن، منها أن المملكة كانت تحت حصار شديد بعد انقطاع علاقاتها بحلفائها التقليديين على خلفية أزمة الخليج عام 1990، وكانت المديونية آنذاك تشكل ضعفي الناتج المحلي الإجمالي (221%)، حسب ما استند إليه التقرير من أرقام.
يقول التقرير “واصل مستوى الدين العام بالتناقص؛ إذ انخفض في عام 1990 إلى 6101 مليون دينار، ثم إلى 6020 مليون دينار عام 1991، ثم إلى 537 مليون دينار عام 1993، مرورا بـ 5619 مليون دينار عام 1992.” وبذلك سجل الدين العام سابقة لم تتكرر على مدار 40 عاما بانخفاضه 4 أعوام متواصلة.
ما خلص إليه التقرير يمكن أن يكن تفكيرا خارج الصندوق، بأن اللجوء إلى صندوق النقد الدولي والاقتراض الداخلي والخارجي سيظل بلا جدوى.
وبالتالي فإن الحل والخلاص ممكن أن يكون في متناول اليد ومن شأنه "ضرب عصفورين بحجر واحد"، ويتمثل في حياة ديمقراطية حقيقية تساهم في التنمية وحل المشاكل السياسية المستعصية من جهة، والتخلص من الأزمة الاقتصادية الخانقة ومن شبح مواصلة الدين العام ارتفاعه من جهة ثانية.
هل ذلك ممكن؟ التقرير الذي أشرنا إليه أجاب على ذلك، وهو ما يدعو إلى مزيد من التأمل والبحث والتفكير خارج الصندوق علّنا نجد بصيص ضوء حقيقي في آخر النفق لا مجرد وهم وسراب.