مروان العمد
منذ يومين انطلقت العمليه العسكريه التي أطلقت عليها تركيا اسم عمليه غصن الزيتون والتي تشارك فيها القوات التركيه بشكل مباشر مع وحدات سوريه مسلحه من التي يطلق عليها اسم الجيش الحر . والهدف من هذه العمليه هو السيطره على مدينه عفرين ومن بعدها مدينه منبج للقضاء على نفوذ قوات سوريه الديمقراطيه والتي يغلب عليها العنصر الكردي والمدعومه من الولايات المتحده الاميركيه والمتهمه بعلاقتها مع حزب العمال الكردستاني المصنف تركياً انه منظمه ارهابيه تسعى لزعزعة الامن في تركيا .
وقد كانت بدايه العمليه قصف جوي ومدفعي تركي عنيف على مواقع جيش سوريه الديمقراطيه في بلده عفرين تبعه تقدم بري لتنظيمات الجيش الحر المدعوم من تركيا صوب هذه المدينه وبنفس الوقت بدأت تحركات مشابهه بأتجاه بلده منبج وكل ذلك وسط تضارب بالمواقف الرسميه من القوى المتدخله في الشأن السوري والتي لا بد حتى يتبين لنا حقيقه مواقفها ان نعود الى بضعه أشهر سابقه .
بدايه لا بد من الاشاره لما اتفقت عليه الدول الثلاث روسيا وإيران وتركيا على اعتبار محافظه أدلب المنطقه الرابعه لخفض التوتر ووقف الاشتباكات ما بين قوات المعارضه والنظام فيها وذلك في شهر أيار عام ٢٠١٧ . وعلى اثر ذلك قامت قوات تركيه بحشد قواتها قرب الحدود السوريه وكُلفت بأقامه نقاط مراقبه داخل محافظه أدلب وكُلفت بالعمل على القضاء على قوات هيئه تحرير الشام / النصره سابقاً بأعتبارها تنظيماً ارهابياً وخاصه بعد الضربات التي وجهت لتنظيم داعش ، الا أن تركيا بدلاً عن ذلك تحالفت مع معظم أعضاء هيئه تحرير الشام للاستفادة منها في حربها على الأكراد التي كانت تعد لها .
كما كان قد تم اتفاق في قمة سوتشي الثلاثيه ( روسيا وإيران وتركيا ) وذلك في الثاني والعشرين من تشرين الثاني عام ٢٠١٧ على عقد مؤتمر جنيف في نسخته الثامنه بتاريخ الثامن والعشرين من نفس الشهر وتم الاتفاق وبتنسيق مع المبعوث الاممي دي مستورا ان تكون نقطتي البحث في هذا المؤتمر هما موضوعا الانتخابات والدستور على ان يترك بحث الوضع النهائي للأزمه الى اجتماع يعقد في مدينه سوتشي الروسية . وكان ذلك يتطلب ان تعقد الهيئه العليا للمفاوضات التابعه للمعارضه السوريه اجتماعا لها في مدينه الرياض لتشكيل وفد الهيئه لحضور مؤتمر جنيف .
وقد شعرت تيارات كثيره في المعارضه السوريه السياسيه والعسكريه ان الهدف من هذا الاجتماع هو تشكيل وفد يوافق على مطالب الدول الثلاث والتي تبناها دي مستورا وخاصه لمشاركه منصتي القاهره وموسكو في هذا الاجتماع . ولهذا فقد استقال من عضويه الهيئة عدد كبير من أعضائها وعلى رأسهم رئيسها رياض حجاب رئيس الوزراء السوري المنشق والذي كان يصر على رحيل الأسد كشرط مسبق قبل الدخول في مباحثات الوضع النهائي . كما أصدرت العديد من تنظيمات المعارضه المسلحه في سوريه رفضها لما يجري في هذا الأجتماع وقراراته . هذا وقد تم في هذا الاجتماع انتخاب الدكتور الاختصاصي في الامراض الداخليه والقلب والمعارض السوري نصر الحريري رئيساً للهيئة ورئيساً لوفدها لمؤتمر جنيف المكون من اثنان وثلاثون عضوا ربعهم من منصتي القاهره وموسكو . وكان متوقعاً ان تكون قرارات الاجتماع تتوافق مع رغبات الدول الثلاث والمبعوث للدولي من اقتصار البحث في جنيف على موضوعي الانتخابات والدستور . ولكن وبطريقه مفاجئه وغير مفهومه فقد ورد في البيان الختامي للأجتماع نصاً يتضمن بضروره مغادره بشار الأسد موقعه مع بدايه المرحله الانتقاليه . مما أدى الى رفض نظام الاسدالدخول في مفاوضات مباشره وجاده مع المعارضه قبل الغائها لهذا الشرط . وبالرغم من محاولات دي مستورا التوفيق بين الطرفين الا انه بصوره مفاجئه خاطب وفد المعارضه بأنه عليهم ان يقبلوا بما هو معروض عليهم لأنهم فقدوا كل الدعم الدولي لهم مما اثار غضبهم . ولكن وفي اليوم التالي قام بمفاجئه الجميع بقرار عكسي وقام بتحميل النظام السوري مسؤوليه فشل المفاوضات مما ادى الى فشل هذه الجوله من المؤتمر .
في الأيام التي عقبت انتهاء جوله جنيف الثامنه وقعت تطورات ملفته للنظر على الساحه السوريه كان أولها تكثيف هجوم القوات النظاميه السوريه لمواقع المعارضه في منطقتي الغوضه الشرقيه والغربيه وسط شبه صمت دولياً ذلك بالرغم من لجوء تنظيمات المعارضه الى شماعه استخدام قوات النظام للأسلحه الكيماوية ضد مواقعها . ثم أخذت القوات السوريه بأجتياح مناطق متعدده من محافظه أدلب حيث أخذت قرى المحافظه تتساقط الواحده تلو الاخرى في يدها وسط اتهام بعض أطراف المعارضه السوريه بقيام قوات هيئه تحرير الشام المتحالفه مع القوات التركيه بتسليم هذه القرى لقوات النظام . وبالرغم من محاوله بعض تنظيمات المعارضه السوريه وقف تقدم قوات النظام مستخدمه إمدادات عسكريه كانت قد حصلت عليها سابقا من تركيا الا ان قوات النظام استمرت في تقدمها الى ان سيطرت على مطار ابو الظهور العسكري والذي كان اول قاعده عسكريه رئيسيه تابعه للنظام تسقط بأيدي المعارضه كما كانت محافظه أدلب اول محافظه تقع بالكامل بأيدي المعارضه منذ عام ٢٠١٥ والتي أصبحت مكان تجمعهم الرئيسي الأخير . والملفت للنظر ان تقدم قوات النظام في محافظه أدلب جرى دون معارضه واضحه ومباشره من تركيا التي تتواجد لها قوات داخل المحافظه . كما ان الملفت للأنتباه هو عدم اقتراب قوات النظام من أماكن توجد القوات التركيه .
وقبل ايّام قليله أعلنت الولايات المتحده الاميركيه عن عزمها تشكيل قوه مسلحه مكونه من ثلاثين الف مسلح عمادهم الأساسي قوات سوريه الديمقراطيه العدو الرئيسي لتركيا وقامت القوات الامريكيه بالاحتفال بتخريج الدفعه الاولى من هذه القوات والبالغ عددهم خمسمائة شخص . وقد حددت المهمه الرئيسيه لهذه القوه بالمحافظه على أمن الحدود الشماليه لسوريه وان كان الهدف الرئيسي هو اقامه كيان كردي مسلح وقوي وموالي لها ليكون عوناً لها في المحافظه على تواجدها وحمايه مصالحها في سوريه والتي أعلنت الاداره الامريكيه انها لن تنسحب منها .
عندها أعلنت تركيا عن نيتها القضاء على النفوذ الكردي في مناطق شمال سوريه ابتداء من منطقتي عفرين و منبج امتداداً في مرحله لاحقه الى الحدود العراقيه للقضاء على تواجد قوات سوريه الديمقراطيه بشكل كامل واقامه منطقه عازله على طول حدودها بعمق ثلاثين كيلومتراً تنقل اليها ثلاثه ملايين ونصف المليون مهاجر سوري في أراضيها .كما أعلنت تركيا ان الدعم الاميركي لهذه القوات لن يحول دون تنفيذها لخططها تلك .
وقبل اعلان تركيا عن نيتها تنفيذ عمليه غصن الزيتون ضد قوات سوريه الديمقراطيه كانت سلطات النظام قد أعلنت انها تعتبر تواجد قوات سوريا الديمقراطيه في الرقه ومحافظه دير الزُّور وفي مختلف أماكن تواجدها في سوريه قوات احتلال غير شرعيه مثلها مثل القوات الأمريكيه المتواجده في سوريه . وعندما أعلنت تركيا عن عزمها القيام بهذه العمليه أعلنت سلطات النظام ان القيام بهذه العمليه هو اعتداء على سوريه وانها سوف تتصدى له وانها أصبحت تملك سلاح جو قادراً على التصدي للطيران التركي وإسقاط طائراته . وكان يفهم من ذلك ان هذا الموقف سوف يتضمن دعم حليفي سوريه كل من ايران وروسيا لها في هذه المواجهه . الا انه وعندما قامت الطائرات التركيه بعمليات قصف في عفرين ومنبج وقامت مدفعيتها بقصفهما لم نجد أي تحرك لقوات النظام او أي رده فعل له سوى إنكار ما أعلنته تركيا من انها أبلغت النظام السوري والقوى الأخرى مثل ايران وروسيا والولايات المتحده الاميركيه خطياً عن عزمها القيام بهذه العمليه .
كما انه وبعد بدء القوات التركيه عملياتها لم نلاحظ اَي رد فعل واضح من قبل ايران اكثر حلفاء النظام السوري وأقربهم اليه ، مما اعطى انطباعاً ضمنياً بدعمها للعمليه العسكريه التركيه ضد أكراد سوريه لتكون رساله مشتركه من قبلها وقبل تركيا الى أكراد العراق فيما لو استمروا بخططهم لأقامه دوله لهم في شمال العراق ورساله مشتركه من قبلهما للأكراد فيهما من أي محاوله للقيام بأعمال انفصاليه او حتى احتجاجيه فيهما وأشاره الى انزعاج القياده الايرانيه من قيام النظام السوري بأسناد مهمة أعاده إعمار سوريه الى روسيا بألرغم من المساعدات والتضحيات التي قدمتها ايران لدعم النظام السورى مما حدى ببعض اجهزه الاعلام الإيرانيه الى مهاجمه بشار الأسد ووصفه بناكر الجميل ومطالبتها بحصول ايران على حصتها من الكعكه السوريه ولو بالقوه .
وبالنسبه الى روسيا الحليف الثاني والقوي للنظام السوري والذي كان على علاقه جيده مع قوات سوريه الديمقراطيه أيضاً والتي كان لها مستشارين عسكريين في مناطق عفرين ومنبج ، فقد اكتفت بأدانه الولايات المتحده الاميركيه لمحاولتها استخدام الأكراد لتحقيق أهدافها في سوريه ثم قامت بسحب مستشاريها من المنطقه وطلبت من القوات التركيه تجنب استهداف المدنيين في عملياتها مما اعتبرته قوات سوريه الديمقراطيه خيانه لها ، واعتبرته تركيا تأييداً لها .
حتى الولايات المتحده الاميركيه فقد كان موقفها ضبابياً من العمليه التركيه وأعلنت انها تنسق مع الجانب التركي لتجنب وقوع خسائر بين المدنيين وانها تستبعد حصول اشتباك بين قواتها والقوات التركيه وتأكيدها عدم تواجد قوات لها في مناطق الاشتباكات بالرغم مما أعلن قبل قليل عن زياره مسؤولين امريكيين للرقه ولم يكشف عن غايات هذه الزياره بعد .
وفي نفس الوقت وبالرغم من تصاعد الصراع على الارض فقد أعلنت روسيا ان سوتشي سوف تشهد انعقاد المؤتمر الموعود لبحث الازمه السوريه بما فيها الوضع النهائي في أواخر الشهر الحالي بحضور جميع الأطراف بما فيها المعارضه . كما تزامن قيام تركيا بعملياتها العسكريه قيام وفد عالِ المستوى للمعارضه السوريه بزياره الى العاصمه الروسية هي الاولى من نوعها ، وبرآسه نصر الحريري ومشاركه العديدين من قيادات المعارضه وذلك لمناقشه ترتيبات اجتماعات سوتشي . وبالرغم من عدم الإعلان عن نتائج نهائيه عما جرى في هذه المباحثات فقد أبقى نصر الحريري الباب مفتوحاً للمشاركه في اجتماع سوتشي بتصريحه اليوم انه سوف يتدارس ما تم بحثه في روسيا مع باقي زعماء المعارضه بعد ان تقدم روسيا ضمانات خطيه لها .
اذاً ما الذي جرى ويجري في سوريه ؟ أهي أمور كان معداً لها مسبقاً لتنتهي الأمور الى طاوله المفاوضات في سوتشي بعد ان تكون كل من تركيا وايران قد تلقيا جائزتهما بالقضاء على الخطر الكردي مقابل ان تُمارس ايران نفوذها على النظام ، وتركيا نفوذها على المعارضه لأنجاح اجتماع سوتشي ؟ وبعد ان يكون قد تم أعطاء النظام جائزته من خلال تمكينه من فرض سيطرته على مناطق الغوطه ومحافظه أدلب مقابل تقديم تنازلات حول مستقبل الأسد على المستوى الطويل ؟ وهل حظيت هذه الخطه على موافقه الولايات المتحده الامريكيه وعلى ان تقدم حلفائها اكراد سوريه ضحيه مقابل مكاسب لها في موضوع القدس ومصير القضيه الفلسطينيه ؟ أم انها سوف تعود وتقلب الطاوله على الساحه السوريه ؟
الأيام القادمه قد تحمل الجواب .//