الأنباط -
شعوب قذرة ...
لا تجعل غضبك يذهب هباء ، بل يجب أن تسعى حتى يكون هذا الغضب وسيلة للتغير ، وسيلة للإنطلاق والإنعتاق من القيد ، ووسيلة للوحدة الثقافية والعقدية والفكري ، ووسيلة لإيجاد طرق وصناعات وأفكار ،ووسيلة للتعلم والتعليم ونقل المعرفة والثقافة والحضارة .
وإلا كانت هذه المعركة كغيرها من المعارك التي خاضتها الأمة مع عدوها منذ مائة عام ولن يتغير شيء ما لم تتغير .
نحن لا نريد أن نقف مع هذا الشعور وقفة عادية ، لأن هذا ما يريده العدو والغرب تحديدا ، يريد الغرب أن يفقدك الفاعلية ويخرجك من نطاق الإنفعال إلى نطاق العادة ، ونحن نريد أن تبقى النصرة والتفاعل والمشاعر الغاضبة طريقا للبحث عن سبل الخروج من الموقف ، وهو يريد أن تكون تصرفاتك وفق ذلك الإطار حتى تخرج ما في نفسك من غضب عبر مظاهرة او كلمات أو بوست غاضب أو حتى صراخ في الهواء.
والأصل أن يبقى الغضب حتى يصل بك إلى ان تجد طريقا لإخراج الأمة من هذه التبعية ، وهذه الدونية إلى الإنفعال الذي يؤدي إلى نتائج ، الإنفعال الذي يصنع جيلا يدرك تماما معنى ان تكون تابعا في هذا العالم ، معنى أن لا تكون صانعا للحدث ولكن متأثرا به.
ما كنت أخشاه أن الحياة لن تتوقف وستسير برغم كل شيء ، فكم من حرب إستمرت أكثر من المعتاد وأدت في النهاية إلى الإعتياد ، ليس بيدك ولا هو ضعف فيك ولا هي خذلان ولا يأس ولكنها الطبيعة البشرية ، التي تسير برغم كل الألم وكل المعاناة وكل الإحباط ، برغم كل شيء الإنسان هذا طبعه وهذه طينته وهذا ما جبل عليه .
يقول علماء النفس إن أعداد الضحايا عندما تزداد بشكل كبير يفقد الإنسان الشعور والتفاعل والتعاطف معها ، وربما لأجل ذلك كان كل هذا العدد من الضحايا في الحروب العالمية الأولى والثانية وحتى ما قام به ستالين وماو تسي تونغ في الصين مع أن هذه ليست أعداد ولا ألوف ولكن عن ملايين من البشر ماتوا ، نعم ملايين من البشر قتلوا ومجاعات ومجازر وأهوال تشيب لهولها الولدان .
ولذلك كل شيء هو في الحقيقة مرتبط بتلك الطريقة التي تتعامل فيها مع الخبر الأول ، وتلك الطريقة التي تبنى بها إستراتيجية للتعامل مع الموقف الأول ، وكل ما بعد ذلك هو في الحقيقة وكما يقولون تفاصيل ، نعم تفاصيل لأن الشعور يتبعه الشعور ثم يصبح الشعور عادة ، ولأن المظاهرة أو الإعتصام أو الكلمة تصبح عادة ، وبعد ذلك يصبح السياسي والمتضامن والعامل والمناصر والناصح وكل أولئك يصبحون مجرد خبر عادي لا أكثر .
خذ ما حدث مع الصين، ولا تنسى ما قال عنهم إينشتاين مرة عن هذا الشعب ( شرقيون قذرون ) ، ونعم لقد وصل هذا الشعب من الضعة والسكينة والإدمان على الأفيون حد العجز التام والإنصياع غير المبرر للأخر ، حتى أن هناك حربين قادتهما بريطانيا ضد هذا الشعب سميت بحروب الأفيون ، ونعم إستطاعت دول لا تشكل أي نسبة لا من حيث الأرض ولا من عدد السكان أن تحتل الصين وما بريطانيا ولا اليابان إلا مثل لا أكثر ، ولكن هذا ما يحدث طبعا عندما تستكين الشعوب، ولا تنفعل إيجابيا ولا تتحرك بشكل علمي ومنهجي للخروج من أزماتها ، وهذا ما تعانيه أمتنا اليوم نتيجة الفرقة والإختلاف، ونتيجة لعدم وجود رؤيا واضحة للخروج من أزمة .
عندها يتم إستغلال الشعوب من قبل اعدائها وتصبح هذه الشعوب القذرة برأيهم ، الوسيلة التي يعتمد عليها الأعداء في سبيل إحكام السيطرة على الأمة ، ولذلك أقول بأن الجاهل والجهل ليس عدوا نفسه فقط بل عدو لأمته ولجنسه ولدينه ولكرامته وحريته .
وهذا معنى أن لا تفهم ولا تدرك ولا تقرأ ولا تسعى لأن تكون لك طرق، تسعى من خلالها إلى توحيد هذه الجموع المتفرقة تحت إستراتيجية واحدة ، ومعنى أنك يجب أن تحرص على المفكر والعالم والصانع، وتحرص على الصناعة الوطنية والمنتج الوطني والزراعة الوطنية والمدرسة الوطنية والجامعة الوطنية .
ومعنى أن تغرس في الأجيال معنى الكرامة والعزة والمنعة والسعي للوحدة ، نعم لا يجب أن يكون ذلك على حساب مكة ولا المدينة، ولكن على إساس إيجاد المنعة والعزة لمكة والمدينة والأردن ومصر وكل الدول العربية الأخرى ، وهذا ما قام به الإسلام إبتداء ، نعم هناك وحدة ولكن هذه الوحدة تصنع العزة للجميع وتعطي المنعة للجميع ، وبقيت مصر والشام والجزيرة كما هي بل تطورت وإزدهرت وأنتعشت إقتصاديا وعلميا وفكريا وحتى في الحرية والمعتقد والحركة ، وكل خيرات هذه الدول بقيت فيها إلا القليل ، ولكنها شاركت الأخرين في صناعة الموقف والتعاون والوحدة .
إبراهيم أبو حويله ..