الأنباط -
الجماعات الإسلامية
لقد دفع العالم العربي والإسلامي ثمنا بالغا نتيجة إجتهادات شخصية كانت تحتاج إلى وقفات طويلة وحكمة وفكر طويل قبل الفعل ، ونتيجة شهادات متعددة قدمها كل من عزام التميمي عبر قناة الحوار وأحمد منصور عبر قناة الجزيرة ، وهذه الشهادات مع معاصرين وقيادات إسلامية وأشخاص قدموا معاناتهم وتصوراتهم عن تلك الفترة بشيء من الوضوح بعد أن نضج هؤلاء وأتضحت السلبيات والإيجابيات .
اضع اليوم هذا التصور بما يحمل من هم والم وامل ، ولكنه محاولة للفهم .
أعلم تماما بأن الحكم على الأمور محكوم بالخبرة والتصور والفهم ، وقد نستطيع الوقوف على حقيقة ما جرى واستخلاص الدورس ، وقد لا نستطيع للإسف ، فالبعض منّا وضع على عينيه تلك النظارة التي يرى من خلالها أمور معينة وبزوايا معينة ، ولن تتسع رؤيته لتشمل أسباب الأحداث وما نتج عنها فهما ومآلا، فهو محكوم برؤى سابقة وتصوارت محددة ، ولن تزول الغشاوة عن عينيه إلا اذا حرر نفسه من هذه التصورات المسبقة .
لكل حركة مجتمعية أسباب ، وما ينطبق على حالة لا ينطبق على أخرى ، وقياس حالة على حالة أخرى ، يكون قياسا مع الفارق ، فما حدث من أحداث في ظل الإستعمار البريطاني يختلف تماما عما حدث في ظل الحكومات بعدها .
وما يصل إليه المواطن تحت الإحتلال في فلسطين المحتلة غير ما يصل اليه المواطن في الدول العربية ، واذا وقع الخلط تاهت النتائج ، فالمقدمات خاطئة ، والظروف غير متطابقة ، والنتيجة مختلفة ، فمن يقاوم محتلا تختلف ظروفه تماما عمن يريد أن يصلح وطنا ، تختلف فيه الرؤى أو تتفق ، ولكننا نتعامل مع مواطن ، ويحكمنا مواطن ويضع القانون مواطن وينفذ مواطن .
نعم يجتهد يخطىء ويصيب ، وفئة كبيرة ضميرها ودينها وأخلاقها لا شائبة فيها ، وفئة أخرى فيها الفاسد والمتكاسل وغيره ، ولكننا في المجمل نتعامل مع من يريد الصواب ويسعى الى المصلحة ، ولولا ذلك لما كانت كل هذه النتائج الماثلة أمامنا موجودة ، فنحن دولة مؤسسات يحكمنا قانون ، ويفصل بيننا قضاة هم ابناؤنا ومنّا ، وينفذ القانون رجل أمن هو في الأصل ابنك أو إبني يعني مواطن .
أسوق هذا الكلام لأبين الفرق في الفكر الذي أدى ألى نشأة الحركات الإسلامية التي نتعامل معها اليوم ، وانها خرجت من رحم فكر أشخاص كانوا يسعون للتحرر من الإستعمار أو مقاومة محتل أو في فترة سقطت فيها الخلافة فكانت لهم اجتهادات ، هذه الإجتهادات دفعوا هم ثمنها في فترة استعمار ، وبعضهم دفع ثمن فتن وقلاقل للأسف ، وهنا وقفت عند قول النبي صلوات ربي عليه عن الحسن ان ابني هذا سيد عسى الله ان يصلح بين فئتين عظيمتين من المسلمين ، وفعلا عصم الله به دم فئتين عظيمتين من المسلمين، عندما التقى جيشه بجيش معاوية ، وكم دفع أخرون كثر ثمنا لهذه المفاهيم التي أطلقها البعض وتبناها أخرون وما زالوا يدفعون .
فخذ مثلا جماعة الأخوان المسلمون ، في سعيهم المحموم للسلطة وبشهادة عناصرها ، "وكما قلت من أراد التزود يستطيع العودة إلى حوارات عزام التميمي واحمد منصور" ، دفع أعضاؤها والمتعاطفون معها والمحيطون بها ثمنا بالغا في زمن حسن البنا وفي زمن سيد قطب وبعد إغيتال السادات حيث تم الاشتباه بأن عناصر من التنظيم قامت بالإغتيال ، وفي الأحداث الأخيرة التي حدثت في مصر .
وليس في مصر وحدها فما حدث في سوريا حيث كانت الأحداث جسيمة ، وبشهادة حسان الصفدي في حواره مع عزام التميمي ما كان يجب أن نصل إلى هذه الأحداث أبدا ، لقد كانت الخسارة فادحة ، علما بأنه وبشهادة العديد من السوريين كانت الأحوال قبل الأحداث أفضل بكثير ، وكان هناك هامش من الحركة والحرية والكرامة تم خسارته ولم يتحقق شيء في المقابل ، وفي ليبيا والأمارات والسعودية ، هل أستمر بالعد وحتى الدول المعتدلة ، كانت معتدلة في فترات وفي فترات أخرى ونيتجة لظروف نعرفها جميعا تغيرت الحال، ففي الأردن مثلا زادت حدة خطاب الجماعة وتصاعد بعد وصول الجماعة في مصر إلى الحكم ما أثر على وضع الجماعة وأفرادها لاحقا ، وفي دول أخرى كانت هذه الحالة من الإستقرار تشهد صعودا وهبوطا حسب الوضع السياسي والمعطيات والمتغيرات .
وهنا نقول بأن أثر الارتباط الدولي لهذه التنظيمات كان له وعليه في موضوع الجماعة ، فالوضع في الأردن غير الوضع في سوريا ، والوضع في سوريا غير الوضع في مصر ، فلم تتعرض هذه الفئة أو تلك لنفس الظروف التي تعرضت له جماعة في دولة أخرى ، وبالتالي الإشتراك في القيادة بخبرة واحدة وثقافة وعلم واحد ، كان له أثر سلبي برأيي على الجماعة في بلد أخر ، حتى وأن تم ترك هامش كما نعلم ، ولكن الخبرات المتناقلة تصنع تصورا وآلية في التعامل مع الأخر في بلد لا يخضع لنفس الظروف والتحديات ، وبحيث أن خبرة الإنسان وعلمه وقدرته على تحديد الظروف في بلد أخر تبقى محدودة ، وبالتالي اتخاذ القرار يبقى محدودا ، وقد دفعت الجماعة ثمنا بالغا لبعض هذه القرارت والأفعال ، التي كان لها أثر سيء على الإسلاميين بشكل عام وليس على الجماعة وحدها .
وعند التكلم عن هذه الجماعات هل نذكر سلبياتها وسلبيات أفرادها وتفردهم بالقرار ، والتسلط واتخاذ القرارت بناء على موقع السلطة ، وفصل وتجميد ومحاكمة من يخالف رأي هذا أو ذاك ، وأنا شخصيا عاصرت هذا وتم فصل مجموعة كبيرة دفعة واحدة لأن تصويتهم في قضية انتخابات لم يرق لقيادة الشعبة ، يعني قضية خلافية وليست عقدية ولا محورية .
فهل هؤلاء يؤتمنون على قيادة مجموعات مختلفة في الأراء والمشارب من المواطنين ، والقدرة على العمل والتنسيق مع المخالف لأجل المصلحة العامة ، وهم عندما وصلوا إلى القيادة عملوا على تحييد واستثناء من لا يحمل فكرهم ورأيهم وطريقتهم ، وكان لهذا الأمر نتيجة سلبية بالغة عليهم لاحقا ، هؤلاء هم من يعيب على الأخر عدم قدرته على التنسيق والعمل مع المخالف ، ويريدون منه التنسيق والعمل ومنح الصلاحيات ، وهم لم يتحملوا مخالفا منهم ، ولا أستطاعوا العمل مع جماعات تعتبر قريبة منهم .
ولا عندهم القدرة على التنسيق ولا العمل مع الأخر ، وبشهادة المهندس مروان الفاعوري مع عزام التميمي قال لقد تم إستثناء حتى الداعمين والمتعاطفين مع الجماعة من القيادة في حزب الجبهة ، فكيف يتعاملون مع المخالف .
هذا الشهادة ليس الهدف منها التجريح والتجريم ، ولكن وضع الأمور في نصابها ، يدفع الاسلاميون اليوم ثمن غباء وسطحية وطمع بعض هؤلاء المحسبون قيادات في العمل الإسلامي ، وهم برأيي ولا أعمم يوظفون الدعوة لمصالحهم ولزيادة سلطتهم والتحكم بالمال والإنسان والوطن .
وقد وظف عدد منهم مال الدعوة ووسائلها وسلطتها في مصالحه ، وعندما اختلفت المصالح تخلى عنها ، وهذا لا يمنع بحال وجود عدد كبير من المخلصين في أي عمل دعوي ، ولكن وجود فئات معينة بفهم واطماع وتطلعات معينة ، أثر على وضع هذه الجماعات وقدرتها على ايصال رسالة نقية صافية إلى الأخر .
ولذلك أرى حتما على هذه الجماعات من المنتسبين وليس قادة ، لأن القادة مصالحهم في بقاء الوضع كما هو ، أرى عليهم حتما العودة إلى المنابع الصافية وتصفية الدعوة من التطلع إلى السلطة بطريقة تجعل هذه الجماعات في موقع الإستهداف ، وإنما السعي إلى إصلاح السلطة والمسؤول كل في موقعه ، والتركيز على الإيجابيات في الوطن ومحاربة الفسدة والمتكاسلين والمتخاذلين وتعريتهم من أي جهة كانوا ، وعدم تفسيق الأخر ولا الحكم عليه ، فما كان هذا منهج النبي صلوات ربي عليه ولا طريقته ، وتعامل مع الجميع في المدينة ، وهو يعلم فاسقهم ومنافقهم وكافرهم ومن هو يهودي ومسيحي فيهم .
والسعي لما فيه خلق مساحات من الحرية والشفافية والعدالة للجميع ، والعمل على خلق مساحات مشتركة من العمل مع الأخر على اختلاف مشاربهم واماكنهم دون السعي للسيطرة عليهم ، فهذا الدين ما سعى للقوة الا لهدف هو الحرية ، ولكن سعى لحرية الكلمة والدعوة ، واعطاء مساحة للأخر ليصل إلى الحقيقة بنفسه ، وأن المساحة الفكرية والعلمية والفلسفية كانت هي المحرك والمحفز لنهضة هذه الأمة وتطورها وإتساع رقعتها ، ولم تكن حدية الدعوة ولا السلطة والسيطرة إلا طريق هلاك وضياع .
يتبع ...
إبراهيم أبو حويله ...