من الواضح أنَّ العالم يتجه نحو مجموعة من المحرِّكات الاقتصادية التي قد تكون السبب في إعادة الاتزان إلى الاقتصاد العالمي، تدعمها ممكِّنات اقتصادية قد تكون الرافعة لبداية تحرُّك العجلة الاقتصادية العالمية نحو دورة اقتصادية من الازدهار، قد تنقل الاقتصاد العالمي نحو فورة جديدة مع بداية العقد الرابع من هذا القرن.
إنَّ إرهاصات هذه التنبُّؤات بدأت تظهر بالتحوُّل التدريجي للسياسات النقدية من الانكماش، الذي سبَّبه رفع أسعار الفائدة 13 مرة خلال ثلاثة أعوام، إلى الاستقرار عبر تثبيت أسعار الفائدة منذ بداية العام، ثمَّ التوجُّه نحو التخفيض الذي من الواضح أنه سيبدأ في الربع الأخير من هذا العام، كمؤشِّرٍ لبداية الارتداد التدريجي نحو السياسات التوسُّعية المقبلة.
على صعيد آخر، استطاعت الأسواق أن تتأقلم مع ارتدادات الحرب الروسية الأوكرانية، سواءً فيما يتعلَّق بإمدادات الطاقة، أو ما يتعلَّق بالتزوُّد بالمواد الغذائية الرئيسية عبر تنويع مصادر التزويد من جهة، والإحلال الوطني أو البديل التنافسي من جهة أخرى. ولعلَّ الحال في أزمة الحرب على غزة بات يؤشِّر إلى مخرج ليس ببعيد.
في خضّم ذلك كله، ظهر الذكاء الاصطناعي كلاعبٍ أساسٍ في رفع الإنتاجية، وتعويض نقص الموارد البشرية في الدول التي تفتقر إليها بسبب الهيكل العمري للسكان، أو بسبب الكتلة السكانية.
كما أنه بات المخرج الجديد لتحسين وتطوير مستوى الخدمات العامة، ما يعني تقليل البيروقراطية، وضبط الإجراءات العامة، وتقليل مستوى الفساد الإداري، وفي النهاية تحسين البيئة الاستثمارية وتشجيعها. ولعلَّ الذكاء الاصطناعي التوليدي، بمفهومه الإدراكي الجديد، سيكون أكبر داعم وممكِّن للانطلاقة الجديدة في الدورة الاقتصادية التي ستحكم عجلة الاقتصاد العالمي خلال العقد المقبل. أمّا محرِّكات الاقتصاد العالمي خلال ما تبقّى من هذا العقد، وخلال العقد المقبل، فهي في التحوُّلات العالمية المقبلة في مجال التوجُّه الجديد للكتل الاقتصادية المقبلة بقوة نحو استثمارات كبرى، في مناطق اقتصادات الدول الناشئة، والمنطقة العربية على رأس هذه الخارطة.
ولعلَّ التوجُّهات التي بدأتها مجموعة بريكس، عالمياً وفي المنطقة العربية، أكبر دليل على ما ستشكِّله تلك الكتلة من أدوات تحريك استثماري واعد، وخاصة في مجالات البنية التحية، والاتصالات، والقطاع الصناعي، والتقنيات الجديدة في عالم الزراعة، والصناعات التحويلية. وختاماً، سيعتمد كلُّ ذلك أيضاً على ما سيقدِّمه الذكاء الاصطناعي من ثورة صناعية تقنية تطويرية خامسة، ثورة ستقوم أساساً على تقنيات استغلال البيانات الكبرى، وستكون أكبرَ مُختَرِقٍ ومُربكٍ لكلِّ ما تعوَّد عليه العالم من آليات التكوين، والإنتاج، والصناعة، والزراعة، أو حتى الخدمات.
العالم مقبل على تحوُّلات عالمية ممكِّنها ومحرِّكها تطوُّرات عالم البيانات الكبرى، والتقنيات الثورية القادرة على استخدمها، أمّا الدور الجديد لحكومات المستقبل فسيكون عبر التنافسية على تصفير البيروقراطية، وصناعة واستشراف مستقبل التعامل مع البيانات تقنياً في الأرض وفي الفضاء.