د. أيوب أبودية
نشر براد بلومر وناديا بوبوفيتش بتاريخ 7 مايو 2024 في صحيفة النيويورك تايمز مقالة عن ولاية
كاليفورنيا بأنها غدت تستمد من كهرباء الطاقة الشمسية أكثر من أي ولاية أخرى. إذ كان لديها مشكلة، فالطاقة الشمسية متوفرة بكثرة خلال النهار ولكنها تختفي بحلول المساء، ومع عودة الناس إلى منازلهم من العمل وارتفاع الطلب على الكهرباء باتت هناك ضرورة لسد هذه الفجوة، لذلك كانت شركات توليد الكهرباء تحرق مزيدا من الوقود الأحفوري مثل الغاز الطبيعي.
وفي كاليفورنيا، غالبا ما تنهار أسعار الطاقة في منتصف النهار تقريبا، عندما تنتج الولاية طاقة شمسية أكثر مما تحتاج، وخاصة في فصل الربيع عندما يكون استخدام مكيفات الهواء منخفضا. ثم ترتفع الأسعار في المساء عندما تختفي الطاقة الشمسية ويتعين على مشغلي الشبكات زيادة الإنتاج من محطات الغاز أو السدود الكهرومائية للتعويض. لذلك، برزت الحاجة إلى بطاريات لتخزين الكهرباء.
منذ عام 2020، قامت كاليفورنيا بتركيب بطاريات عملاقة أكثر من أي مكان في العالم، باستثناء الصين، بحيث يمكنها من تخزين الطاقة الشمسية الزائدة خلال النهار للاستخدام عند حلول الظلام، فتحل جزئيًا محل الوقود الأحفوري. ففي الثلاثين من نيسان، على سبيل المثال، زودت البطاريات أكثر من خُمس الكهرباء في ولاية كاليفورنيا، ولدقائق قليلة، ضخت 7046 ميجاوات من الكهرباء، وهو ما يعادل إنتاج سبعة مفاعلات نووية كبيرة.
قالت هيلين كو، رئيسة تحليل الطاقة الأمريكية في شركة بلومبرج للأبحاث: "ما يحدث في كاليفورنيا هو لمحة عما يمكن أن يحدث للشبكات الأخرى في المستقبل"، إذ تقوم البطاريات بسرعة بتحويل كميات كبيرة من الطاقة المتجددة نحو فترات ذروة الطلب. وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، زادت سعة تخزين البطاريات على شبكات البلاد عشرة أضعاف، لتصل إلى 16000 ميجاوات. ومن المتوقع أن تتضاعف القدرة هذا العام مرة أخرى، مع وجود أكبر نمو في تكساس وكاليفورنيا وأريزونا.
تستخدم معظم بطاريات الشبكة تقنية أيون الليثيوم، على غرار البطاريات الموجودة في الهواتف الذكية أو السيارات الكهربائية. ومع توسع صناعة السيارات الكهربائية على مدى العقد الماضي، انخفضت تكاليف البطاريات بنسبة 80 في المائة، مما يجعلها قادرة على المنافسة لتخزين الطاقة على نطاق واسع. ومع انتشار البطاريات، تستخدمها شركات الطاقة بطرق جديدة، مثل التعامل مع التقلبات الكبيرة في توليد الكهرباء من مزارع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، والحد من الازدحام على خطوط النقل والمساعدة في منع انقطاع التيار الكهربائي أثناء موجات الحر الحارقة، ولمواجهة أيام الأحمال العالية وأيام حرائق الغابات عندما تُفقد بعض خطوط الكهرباء.
وفي ولاية كاليفورنيا، التي وضعت أهدافا طموحة لمكافحة تغير المناخ، يأمل صناع السياسات أن تساعد بطاريات الشبكة الولاية في الحصول على 100% من احتياجاتها من الكهرباء من مصادر خالية من الكربون بحلول عام 2045. وفي حين لا تزال الولاية تعتمد بشكل كبير على الغاز الطبيعي، وهو مساهم كبير في الطاقة العالمية وتلوث الهواء، يخطط المنظمون في الولاية لزيادة سعة البطارية ثلاث مرات تقريبًا بحلول عام 2035.
وفي تكساس، لا تزال البطاريات تستخدم إلى حد كبير لتوفير الخدمات الإضافية، مما يعمل على استقرار الشبكة ضد الاضطرابات غير المتوقعة. كما أن تكساس أكثر اعتماداً من كاليفورنيا على طاقة الرياح، والتي تتقلب في أنماط أقل قابلية للتنبؤ بها. لكن تكساس تلحق بكاليفورنيا بسرعة في مجال الطاقة الشمسية، وتساعد البطاريات بشكل متزايد لتغطية أحمال أوقات الذروة المسائية. في 28 أبريل، كانت الشمس تغرب بينما كانت طاقة الرياح منخفضة بشكل غير متوقع، وكانت العديد من محطات الفحم والغاز خارج الخدمة للإصلاحات، فقفزت البطاريات للدعم لتوفر 4% من كهرباء تكساس في لحظة ما، وهو ما يكفي لتزويد مليون منزل بالطاقة. وفي الصيف الماضي، ساعدت البطاريات في تجنب انقطاع التيار الكهربائي عند المساء من خلال توفير طاقة إضافية أثناء درجات الحرارة القياسية.
وفي تكساس، تهيمن قوى السوق على أسعار الكهرباء. إذ يسمح نظام الكهرباء غير المنظم في الولاية للأسعار بالتقلب بشكل حاد، حيث ترتفع إلى 5000 دولار لكل ميجاوات/ساعة خلال النقص الحاد. وهذا يجعل من المربح لمطوري البطاريات الاستفادة من هذه الارتفاعات. وعلى سبيل المثال، توجد إحدى البطاريات بالقرب من فورت وورث، حيث تمتص طاقة الرياح الزائدة من غربي تكساس أثناء الليل،عندما لا يحتاجها أحد، وتغذيها إلى الشبكة عندما يرتفع الطلب. وفي ولاية تكساس، من الممكن أن يؤدي إنشاء صندوق حكومي لدعم محطات الغاز إلى تقويض طفرة البطاريات. وفي ولايات أخرى، تمنع الأنظمة المعقدة أحيانًا المرافق من إضافة تخزين الطاقة.
وتخطط ولايات أخرى، مثل أريزونا وجورجيا، لتركيب آلاف الميغاواط من سعة البطاريات للمساعدة في إدارة الطلب المتزايد. ولكن الصناعة لا تزال تواجه عقبات، فبطاريات الليثيوم أيون قابلة للاشتعال، وبينما اتخذ المشغلون خطوات للحد من مخاطر الحرائق، فإن بعض المجتمعات تعارض المشاريع في ساحاتهم الخلفية. ولا تزال معظم البطاريات تأتي من الصين، مما يجعلها عرضة للنزاعات التجارية.
ويقول الخبراء إن بطاريات الشبكة يمكن أن تكون أداة مفيدة لخفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري، على الرغم من أنها لا تزال بحاجة إلى مزيد من التطوير من حيث التكاليف والتقنيات وكيفية استخدامها. وفي حين تتمتع هذه البطاريات بقدرة هائلة على الحد من الكربون، لكنها تحتاج إلى الحوافز المناسبة للقيام بذلك. ورغم ذلك، فيبدو أن البطاريات في كاليفورنيا تعمل على خفض الانبعاثات الناجمة عن الوقود الأحفوري. إذ انخفض استخدام الغاز في الولاية في أبريل إلى أدنى مستوى له منذ سبع سنوات. ولا تزال كاليفورنيا تحصل على ما يقرب من 40% من احتياجاتها من الكهرباء من الغاز الطبيعي، وقد يكون من الصعب على تكنولوجيا البطاريات الحالية أن تحل محل ذلك كله.
وعادةً ما توفر بطاريات الليثيوم أيون اليوم الطاقة لمدة ساعتين إلى أربع ساعات فقط قبل الحاجة إلى إعادة الشحن. وقال نيت بلير، خبير تخزين الطاقة في جامعة هارفارد، إنه إذا استمرت التكاليف في الانخفاض، فقد تتمكن شركات البطاريات من تمديد ذلك إلى ثماني أو عشر ساعات (يتعلق الأمر بإضافة المزيد من مجموعات البطاريات)، ولكن قد لا يكون من الاقتصادي الذهاب إلى أبعد من ذلك بكثير. ويظل التحدي الآخر هو أن الطاقة الشمسية المتاحة في الصيف أكثر بكثير من تلك الموجودة في الشتاء، ولا توجد بطارية اليوم يمكنها تخزين الكهرباء لعدة أشهر لإدارة تلك الفوارق الموسمية.
خلاصة القول إن العلم والتكنولوجيا يتطوران كل يوم، وبالتالي فإن بعض الشركات ما انفكت تستكشف الحلول. ففي سكرامنتو، تقوم شركة ناشئة ببناء بطاريات "تدفقية" تخزن الطاقة في إلكتروليتات سائلة ويمكن أن تستمر بالامداد لمدة 12 ساعة أو أكثر. وهناك شركة ناشئة أخرى تقوم ببناء بطارية حديد-هواء تدوم لمدة 100 ساعة. وبالضرورة سوف تنافس هذه الأفكار بدائل مثل الطاقة النووية والطاقة الحرارية الأرضية المتقدمة أو حتى استخدام الهيدروجين الأخضر لتخزين الكهرباء. لذا، بات ضروريا متابعة ما يحدث في العالم من تطورات قبل اتخاذ استراتيجيات طويلة الأمد، كصناعة الهيدروجين مثلا.