الأنباط -
منذ بدء العدوان الصهيوني السافر على قطاع غزة، وازدياد حدة الجرائم التي يندى لها جبين الإنسانية واستمرارها في ظل صمت دولي وإغفال مقصود للنظر عن جرائم الاحتلال، كان حراك الشارع الأردني تعبيرًا لصوت الضمير الإنساني الذي ينتفض غضبا عن ما يشاهده بكاميرات الHD من جرائم مصوّرة وموّثقة، واختار الأردني ساحة الكالوتي مكانًا للتظاهر السلمي في تعبير سياسي أن تظاهره احتجاجًا على وجود هذا الكيان المستعمر في فلسطين وسفارته في الأردن، وفي اختيار مكان الاحتجاج ورمزيته السياسية إسناد للموقف الرسمي بالاستمرار في دوره الدبلوماسي والإغاثي في وقف الحرب وكسر الحصار، حيث تعطي الاحتجاجات واستمرارها دون انقطاع قوة للموقف الرسمي للدولة الأردنية في ضغوطها على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتوقف هذه الدول دعمها لدولة الاحتلال.
وبدون إنكار محاولة تيارات سياسية متعددة التحالف مع الغضب الشعبي وتوجيهه لمصالح انتخابية وهذه نقطة سنعود لنتحدث عنها مُفصّلا، ولكن بين شد وجذب التيارات السياسية أفضى هذا التنافر على وسائل التواصل إلى التأكيد على أسلمة حراك الكالوتي وحصره بلون سياسي لتيار الإسلام السياسي وتصوير الصورة عبر مواقع التواصل الاجتماعي وكأنها معركة بين الحكومة وجماعة الإخوان المسلمين، كان الناس في الكالوتي يُركز على هدفين، وقف الحرب على غزة وقطع كل أشكال الدعم لها، وحماية وتحصين الأردن في قناعة شعبية أن المشروع الصهيوني التوسعي والذي تستمر حكومة اليمين الصهيوني بتذكيرنا بأن الأردن جزء من مشروعها وخريطتها للدولة اليهودية من النيل إلى الفرات، ففي هذه الاحتجاجات قرب سفارة الكيان الخالية إنما هي في جزء أصيل منها قراءة شعبية لخطر يتداهم ويصبح أقرب يوما إثر يوم، وقد شاهدنا الاحتفال والترحيب الشعبي بالقرار الرسمي بوقف اتفاقية الطاقة مقابل المياه مع الكيان، إن الوعي الشعبي بخطر المشروع الصهيوني على الأردن يترجم اليوم في لهفة شعبية إلى برنامج عمل حكومي وحزبي يحصن به الأردن ويحفظ سيادته.
وفي هذا الإطار انتشرت كثيرًا عبر منصات التواصل الاجتماعي ومن جهات داخلية وخارجية محاولات متعددة لتصوير حراك الشارع على أنه شعبي في مواجهة الرسمي، وهذا خطأ استراتيجي متعمد وقعت به بعض التيارات التي تحاول شيطنة الأردن الرسمي والشعبي، ولذلك يجب الآن إعادة قراءة الصورة من جميع جوانبها وملامسة حقيقة الأردن كما هو.
إن التعامل مع القراءة الشعبية التي تقول أنه على رغم مرور ٣٠ سنة من توقيع اتفاقية وادي عربة إلا أنه لا سلام مع إسرائيل، وأن ساعة المواجهة تقترب خصوصا في وجود حكومة يمينية صهيونية دينية لا تعترف بوادي عربة وتستمر بتهديد المصالح الاستراتيجية الأردنية، وعليه فإن تعامل الأحزاب والتيارات السياسية مع الغضب الشعبي لا يجب أن يكون تفاعلا شعبويا، إنما عملية ترجمة لهذه المطالب إلى برامج حزبية واضحة تفسر الرؤية إلى مستقبلنا والأردن الذي نريده.
وأخيرًا، إن النسيج الاجتماعي الأردني متماسك وصلب، والهوية الأردنية الوطنية متماسكة والشعب الأردني يدرك أن معركته هي مع العدو الصهيوني الذي لم يبقِ شيخا ولا طفلا ولا شجرا ولا حطوا ولم يحترم لا قانونا ولا معاهدة ولا اتفاقية وأنكر كل مؤسسات المجتمع الدولي في تمرد على كل قوانين الإنسانية، فحمى الله الأردن، ونصر أهلنا في غزة.
إبراهيم العوران، نائب الأمين العام للشؤون السياسية - حزب إرادة