الأنباط -
كثير ما ظلم المنهج في الحياة ، وأحيانا كثيرة يظلم العدل نفسه بسبب الرجال ، والله يسوق الآية تلو الآية ليقول لنا ، بأنه لا يجرمنكم شنأن قوم على أن لا تعدلوا ، ولكن هذه التربية تحتاج على ما يبدو إلى المربي ، وهناك مراحل في الحياة كان فيها الأمر واضحا .
ولذلك لا أجد حرجا في تقييم أي عمل لأي شخص أو جماعة أو عمل مهما كان ، لقد أخطأت الحركات الإسلامية أخطاء ساهمت في بقاء الأمة مكانها ، بل لها دور في تراجعها، لقد نازعت الأمر أهله ، واستعدت فئات وطوائف عريضة ، ولو أنها التزمت أساسيات دعوتها لخرجنا من هذا المأزق منذ زمن بعيد وهذا رأي ، وما لم تغير الجماعات الإسلامية فكرها وطريقتها فلن يتغير اسلوب التعامل معها ، فقد استعدت الأنظمة والدول ، ومن يقول بأنه تاريخ مضى مع موجة الربيع العربي ، فهذا التاريخ هو ما صنع موقف معظم بل كل الدول العربية من الحركات الإسلامية ولم يذهب من عقل الدول ، والمخرج هو في إيجاد طريقة عمل يعيد الجميع على قلب رجل واحد ، المهم برأيي هو المنهج ، والمنهج هو العدالة في التعاطي مع الشخص سلبا أوإيجابا بحسب ذلك الموقف، وهذا أيضا ليس حكما على النهاية والمصير حتما .
ما زلت أقف مع كثير من مواقف الصحابة بإستغراب ، فهذا يعود إلى الرسول صل الله عليه وسلم بعد قصة تأبير النخل وبأن الأمر لم ينجح ، والرسول يقول له بأنكم أعلم بأمور دنياكم ، وعلى ما ورد في قصة الحباب بن المنذر في موقعة بدر من ضعف ، ولكن كما فرق البخاري بين ما رواه في صحيحه وبين ما رواه في غيره ، فلا يجد أهل العلم حرج في التعاطي مع الروايات الضعيفة في مواقع معينة ، وهنا ونحن نريد أن نوضح منهجا ، هو منهج الصحابة في التعامل مع أوامر الرسول .
وحتى مراجعته كما حدث من عمر في أكثر من موقع ، وقصة الصحابية خولة بنت ثعلبة في موضوع الظهار ، فقد كان الصحابة يراجعون رسول الله صل الله عليه وسلم ، وكانوا يفرقون بين أوامر الله التي لا ينبغي لمسلم ولا مسلمة أذا قضى الله ورسوله أمرا أن يكون لهم الخيرة فيها ، وبين تلك الأمور التي هي محل رأي وإجتهاد .
لقد سعى الرسول صل الله عليه وسلم إلى تعميق مفهوم الدين المنهج في نفوس الصحابة ، ولذلك كان عندهم عمق في الفهم والتصرف ، فهذا أبو ذر يقول له الرسول بشكل مباشر بأن هذا الأمر وهو الإمارة يحتاج إلى مواصفات معينة لا توجد فيك ، وأنت من أنت وهو يعلم محبة الرسول له ، فهو كما قال عنه في حديث أخر يبعث أمة وحده ، ولكن هنا الأمر مختلف .
ومع ذلك الرسول ولى خالدا رضي الله عنه بعد إسلامه مباشرة ، وقال لمعاوية إذا وليت أمر المسلمين فإتق الله وإعدل ، وأرى في هذه إشارة واضحة لتهيئة معاوية لأمر المسلمين ، فالكلمات لا تذهب هباء وكيف إذا كانت ممن لا ينطق عن الهوى .
ما أدين به أن الرسول صل الله عليه وسلم كان قد إطلع على ما هو كائن إلى يوم القيامة كما في حديث البخاري وغيره ، ولكن هذا الإطلاع ليس إطلاعا تفصيليا كما أشار إلى ذلك أكثر من عالم ، ولكن هذا الإطلاع جعل الرسول صل الله عليه وسلم قادر على أن يحدد للأمة المسار الذي يجب أن تسلكه حتى تنجو .
وجعله في المقابل قادر على أن يختار تلك الخيارات السليمة التي تخدم دعوته ، وتحدد من يصلح ومن لا يصلح ، ويعرف هل يسلم هذا أو ذاك ، وقادر على توظيف هذه المعلومة لمصلحة دعوته ، فتشعر بالرعاية الإلهية في هذا الأمر ، ومع ذلك عاتبه الله في الاعمى ، وهذا كله من أسباب قيام هذه الدعوة بدون مقومات تقريبا وإنتشارها هذا الإنتشار السريع .
ولكن عندما تختلط الأمور ويصبح غير المقدس مقدس ، عندها نحتاج إلى وقفة جادة مع النفس تعيد الأمور إلى نصابها ، فالرجال رجال ، وكل يؤخذ من كلامه ويرد إلا صاحب هذا القبر صل الله عليه وسلم ، وفعل الصحابي في الأمور الإجتهادية حجة عليه وليس حجة على الأمة ، ومن أخطأ فقد أخطأ ، فهذا عمر يقول أخطا عمر وأصابت أمرأة ، وهو عمر وهو من قال فيه الرسول صل الله عليه وسلم أنه ملهم أو محدث بمعنى أن قوله كان يوافق الصواب في الأعم الأغلب ، ومع ذلك يدرك هو بفطنته أنه في هذا الأمر أخطأ ويتراجع وأنتهى الأمر لا قداسة ولا تعنت بل منهج .
فالأمر هو لهذا المنهج وليس للأشخاص مهما بلغوا ، ولذلك الأمر يحتاج إلى توضيح ، نعانى في هذا الزمان من إختلاط الحدود والمفاهيم ، ولذلك يجب على كل واحد منّا فهم المنهج وفصل المنهج عن الرجال وعدم الخلط في المفاهيم .
ولذلك لا قدسية لثوب أولحية أوعالم ، القدسية هي للمنهج ، فمن خالف فقد خالف ومن وافق فقد وافق .
ففي الصحيح كما هو معلوم بأن مصير البشر بيد خالقهم وليس بأيدينا ، ولكننا نتكلم في التصرف المجرد ونحاول فهمه والحكم عليه بعيدا عن فهم كافة تصرفات الشخص أو تقييمها .
فنقول مثلا معاوية رضي الله عنه أخطأ في جعل الخلافة ملكا وحصر الملك في ذريته ، فهذه مخالفة صريحه للمنهج ، هو صحابي نعم وله فضله نعم وله وله وكل ذلك لا يعني بحال قدسية هذا أو ذلك كما قلنا .
ولكن كما نحكم على هذه الجزئية ، نقول أيضا بأن لهذا الصحابي أعمال جليلة ، وكان له دور كبير في إستقرار الشام سنوات طوال ، وأمّره عمر رضي الله عنه الذي كان يصرف الولاة لمظلمة او عدم كفاية أو حتى إذا شكاه الناس وكان يفكر في عزلهم لأربع سنوات ، لأن ما عندهم قد نفد وإن كان فيهم ظلم أراح العباد منهم ، وبقي في الخلافة إلى زمن عثمان رضي الله عنه ، وهو أول من ركب البحر مجاهدا ، وكان له دور كبير في إستقرار الحكم الإسلامي والقضاء على الفتن التي أنتشرت زمن عثمان وعلي رضي الله عنهما .
إن السعي الحقيقي للخروج من أزمتنا يكون بالفهم السليم للمنهج والحرص على تطبيقه ، وإعلاء أمره بعيدا عن رغبات البشر وتطلعاتهم ، فهذا المنهج يملك في ثناياه أسباب قوته ، ولا يحتاج منّا إلا إلى فهم وتطبيق فقط .
عندها تتحقق النصرة لمن يسعى في هذا السبيل ، لأن هذا السبيل هو ما اراده الله .
وهذا رأي شخصي .