الأنباط - تحديات المرأة الفلسطينية
تُعَدّ المرأة ركنًا هامًا من أركان المجتمع، ومما لا شك فيه فهي سببًا أساسيًا لتقدم الحياة واستقرارها. وينضوي واقع المرأة الفلسطينية من خلال السياق التاريخي الذي أظهر اختلافها عن المرأة العربية بشكلٍ جوهري عبر التاريخ الفلسطيني المعاصر. ولقد لعبت العديد من الاسباب والعوامل الاجتماعية، والاقتصادية، والثقافية في واقع المرأة الفلسطينية أدى ذلك إلى خروجها عن النمطية التي بدورها تحدد المرأة بالإنجاب و الرعاية الأطفال والاعمال المنزلية إلى الانخراط في شؤون الحياة كالسياسة والاقتصاد والثقافة، وبالإضافة لذلك الشؤون الاجتماعية أيضًا؛ فكان كل ذلك نضالاً لمواجهة الاحتلال وسياسته القمعية، وهذا أدى إلى تعزيز وثبات دور المرأة وقيامها بدورٍ ريادي خلال سنوات الانتفاضة الأولى . فأصبحت ممارسات الاحتلال القهرية تحديًا لهويتها وانتمائها لقضايا الشعب الفلسطيني؛ فكان دورها كبيرًا حيث أنها شاركت في كافة القطاعات الشعبية وتأسيس واقع اجتماعي سياسي تشارك فيه المرأة من خلال المشاركة في العمل الخيري التطوعي إلى العمل السياسي النضالي فكانت الفدائية.
لا جرم بأن المرأة الفلسطينية هي المناضلة، والأم، والمعتقلة، والمربية، لقد أدركت بوعي عالٍ دورها بجانب دور الرجل في الحفاظ على الموروث الثقافي والهوية الوطنية الفلسطينية فتشكل لها وعي محلي حول أهمية دورها ورفع قيمتها في المجتمع الجمعي، فشاركت في المظاهرات وساعدت الفدائيين بأمدادهم بالغذاء والدواء، وكانت تعمل على حماية الشباب من بطش واعتداءات الجنود الصهاينة .
وعلى الصعيد الثقافي فأن المرأة الفلسطينية تعد محورًا أساسيًا من محاور التنمية الثقافية في المجتمع؛ وذلك لأنها تمتلك المقومات الفكرية والإبداعية التي تستطيع من خلالها التعبير عن الهموم والقضايا التي تشغلها، وأدى ذلك إلى حفاظها على الهوية الثقافية ويشمل ذلك الحفاظ على العقيدة واللغة والتاريخ ووحدة المصير؛ لذلك فأن الهوية تحمل دلالتها من المحددات الاساسية لثقافة الأمة؛ لأنها تلصق الماضي والواقع لتنفتح أمام المستقبل. وتعتبر الهوية الثقافية للمرأة نموذجًا ثقافيًا بحتًا وموروثًا يخرج من منبع الثوابت التاريخية والطبيعية والبشرية والثقافية التي تتميز بالثبات، وعلى نفس المنوال تتغير وتتطور عبر الأزمنة المختلفة من حيث أن الثقافة هي أحد أعمدة العادات والتقاليد وأنماط السلوكيات والمثل والعقائد والقيم الإنسانية .
وعلى الصعيد الاجتماعي لقد قامت اللجان النسوية بالمساعدات التعليمية والصحية و الاقتصادية، ففي ذلك الوقت كانت المرأة تستخدم أسلوب التعليم المنزلي حرصًا منها على تعليم أطفالها ومتابعة العملية التعليمية بشكلٍ مكثفٍ كون التعليم سلاحًا فعالاً في مواجهة الاحتلال . وعلاوة على ذلك فقد تمتعت المرأة بدورها للحفاظ على الأسرة من الانهيار النفسي والمعنوي بسبب الحروب المتتالية. وعملت على مؤازرة ذوي الشهداء والمعتقلين وتقديم العون لهم . ومما لا شك فيه كان دور المرأة في الحفاظ على الهوية الوطنية كبيرًا عند محاولة الاحتلال في سياسته القمعية لكسر صمود الشعب الفلسطيني، وشطب هويته وموروثه الوطني؛ فانعكس ذلك على المرأة فأصبح الحفاظ على الهوية الوطنية من أولويات المرأة الفلسطينية؛ فعملت على تكريس الهوية بطرق مختلفة ومستمدة ذلك من الواقع الذي تعيشه فظهرت المرأة في ميادين النضال الفلسطيني بداية من المنزل مثل : اسعاف الجرحى ثم الحياكة إلى الشارع للمظاهرات والمواجهات مع قوات الاحتلال الإسرائيلي.
وعلى مستوى الذاكرة لقد لعبت المرأة دوراً مهماً في الحفاظ على الهوية والتاريخ الفلسطيني، ذلك لدحض رواية الاعداء الصهاينة ومحاولة استبدال الرواية الفلسطينية وبالتالي طمس الهوية وبعثرة الذاكرة الوطنية الجمعية الذي يحرص كل فلسطيني على التمسك بها؛ لأن الذاكرة هي محور اساسي للتاريخ الشفوي، وإن المرأة لها دور في حفظ الذاكرة والتدقيق في التفاصيل من خلال الحكاية الشفوية؛ لأن لديها القدرة للإفصاح عما كان يدور من أحداث عبر الزمان والتاريخ. وإن تنقل المرأة التاريخ بين الاجيال يعتبر واجبًا وطنيًا عليها مهما كانت الظروف.
ولا يفوتنا أن ننوه من ناحية التراث والفن فكانت المرأة الفلسطينية تتقن فن التطريز اليدوي، وأيضا الحياكة، ولذلك تتميز فلسطين بالتطريز على الاثواب مثل تطريز العلم فلسطين، وتطريز شكل المفتاح .الذي يعبر عن التمسك بحق العودة وشجرة الزيتونة، والأرض للتعبير عن معاني ومكان الأرض في وجدان الشعب الفلسطيني. وكل ما سبق يُعد من رموز تراثية شعبية من خلال المطرزات استطاعت المرأة أن تحافظ على الهوية والموروث الثقافي الإبداعي المميز من خلال هذا الفن الذي يميز الشعب الفلسطيني عن غيره من الشعوب العربية، تأكيدًا منه على التراث والتصدي للمحاولات الممنهجة التي يقوم بها الاحتلال لسرقة التراث الشعبي الفلسطيني . من ناحية اللغة فأن اللغة تعتبر عنصرًا هامًا من عناصر الهوية الثقافية حيث كل لغة تعبر عن هوية ثقافية خاصة بالمجتمع الذي يعمل على توظيفها في الاتصالات المختلفة، ولذلك يجدر بنا الاشارة الى اللهجة التي تتعدد في اللغة الواحدة، فمثلًا من خلال العادات والتقاليد يتولد لدى الأفراد الذين توارثوها اسلوبًا اجتماعيًا من خلاله يمكن التفاعل بين الأفراد، فهي الدعائم التي يقوم عليها التراث الثقافي في كل بيئة اجتماعية. فمن هنا يتوجب على كل مواطن فلسطيني أن يرفع المستوى الفكري للحفاظ على الهوية الوطنية الفلسطينية، ويعمل على تفعيل دور المؤسسات المجتمعية والتربوية للحفاظ على الهوية وزرع القيم والاخلاق والعقيدة السليمة، من خلال أيديولوجية الافكار السليمة وحب الوطن.
وعلى الصعيد التنظيمي والنقابي شكلت المرأة العديد من اللجان التي تميزت بامتدادها الجغرافي الشامل لمدن وقرى ومخيمات فلسطين فعملت على تنظيم العديد من الحملات لمقاطعة البضائع الإسرائيلية ونشر التوعية لاستقطاب أكبر عددًا من الكوادر النسائية للعمل في الاتحادات المختلفة لخدمة شعب فلسطين ومواجهة تحديات العدو. فكان بذلك دور المرأة في الحفاظ على الهوية الفلسطينية والتراث الشعبي وربط المجالات الثقافية والاقتصادية والاجتماعية كافه للدفاع عن القضية الفلسطينية، وابرازها للعالم وتذكير الاجيال القادمة بالتراث والهوية الوطنية الفلسطينية.
بقلم/لطيفة محمد حسيب القاضي