بقلم المهندس عمر القريوتي: بالرغم من صغر حجم الأردن، وقلة الموارد الطبيعية ومحدودة مصادر الطاقة والمياه فيه، إلا أنه يمتاز بموقع استراتيجي يتوسط الشرق الأوسط بحيث يربط بين القارتين الأسيوية والإفريقية، ويجعله مركزًا تجاريًا نشطًا، وممرًا للصادرات والواردات من وإلى الدول المحيطة. كما أن ازدهار النشاط الصناعي والتجاري في الأردن، وامتلاكه قوة عاملة شابة، وتمتعه بقبضة أمنية محكمة تفرض الأمن والأمان على جميع أراضيه وتجعله مستقرًا أمنيًا وسياسيًا وسط حدود ملتهبة بالحروب والصراعات؛ جميعها مقومات أساسية ساعدت الأردن على تطوير قطاع الصادرات الأردنية إلى الدول المجاورة بدءًا من دول بلاد الشام والخليج العربي وحتى الدول الاتحاد الأوروبي وبلاد ما وراء النهر.
ويعتبر قطاع الصادرات الأردنية أحد العناصر الرئيسية في دعم الاقتصاد الوطني، ويشكل الدعم الذي تقدمه الصادرات عاملاً حيوياً للحفاظ على استقرار الاقتصاد وتحقيق التنمية المستدامة. إذ يتأثر الاقتصاد الأردني بعدة تحديات، منها التباطؤ الاقتصادي العالمي، والأوضاع الإقليمية غير المستقرة، والضغوط المالية المتزايدة. وفي هذا السياق، تظهر أهمية دور الصادرات الأردنية كطوق النجاة الذي يمكن أن يعزز من مرونة الاقتصاد ويوفر مصادر إيرادات هامة.
أحد الجوانب الرئيسية التي تجعل الصادرات تلعب دورًا محوريًا في تعزيز الاقتصاد الأردني هو توسيع الأسواق الخارجية. من خلال توجيه الانتباه نحو تنويع وتوسيع قاعدة العملاء والشركاء التجاريين، الأمر الذي يمكن الأردن من تقليل تأثير الاضطرابات الاقتصادية في الأسواق المحلية، وتحقيق التوازن بين السوق المحلية والعالمية، وتحسين استقرار الاقتصاد وتقويته.
علاوة على ذلك، تشكل الصادرات وسيلة لزيادة الإنتاج والإيرادات. عبر توسيع نطاق الصادرات، حيث يتم تحفيز الشركات والصناعات المحلية على تحسين جودة منتجاتها وتكنولوجياتها، مما يجعلها تنافسية على الساحة العالمية. إذ إن هذا التحسين في الإنتاج يعزز الكفاءة ويسهم في تطوير الصناعات المحلية.
حيث أحرز الأردن تقدمًا لافتًا في تنويع صادراته، بتميزه بمزيج من القطاعات التقليدية وغير التقليدية للصادرات تساهم كل منها بشكل كبير في الصحة الاقتصادية العامة. فمثلًا، أصبح الأردن مؤخرًا مركزًا رائدًا لتصنيع الأدوية في المنطقة، حيث اكتسبت شركات الأدوية الأردنية سمعة عالمية. وسجلت صادرات قطاع الصناعة الدوائية الأردنية خلال العام 2023، نموًا نسبته 19%، حيث وصل عدد الأصناف الدوائية المصدرة إلى 2480 صنفًا دوائيًا بقيمة إجمالية وصلت 616.3 مليون دينار، مقارنة بحجم صادرات العام 2022، والتي بلغت 2178 صنفا دوائيا بقيمة إجمالية وصلت إلى 514.7 مليون دينار. إن إنتاج الأدوية العامة والمنتجات الطبية لم يساهم فقط في زيادة إيرادات الصادرات، ولكنه أيضًا لعب دورًا حاسمًا في تلبية احتياجات الرعاية الصحية في المنطقة.
كما نجحت الأردن في تطوير قطاع زراعي مزدهر على الرغم من مناخها القاحل وتربتها الصحراوية، إذ وجدت منتجات الأردن الزراعية مثل الفواكه والخضروات وزيت الزيتون أسواقًا في الدول المجاورة وخارجها. لترتفع الصادرات الأردنية الزراعية 12.5% مقارنة بين 2021 و2020، حيث يساهم قطاع الصادرات الزراعية ليس فقط في توليد الدخل، ولكنه أيضًا يدعم سبل المعيشة في المناطق الريفية، مساهمًا في التنمية الاجتماعية والاقتصادية.
من جانب آخر شهدت صناعة الألبسة والمنسوجات والجلود الأردنية نموًا مستمرًا وتطورًا مطردًا كواحد من أبرز قطاعات التصدير الوطنية، فقد اكتسبت العلامات التجارية الأردنية للملابس سمعة فيما يتعلق بجودتها وأناقتها للمستهلكين في أسواق دولية مختلفة. فالأرقام تشير إلى أن قطاع الألبسة والغزل والنسيج يساهم بحوالي 8% من الناتج المحلي الإجمالي الأردني، وأن صناعة الألبسة هي القطاع الرائد والأكبر من مجموع الصادرات الأردنية عام 2021، حيث حقق ما نسبته 20% من إجمالي الصادرات الوطنية، ومع حلول منتصف العام 2022 وصلت النسبة إلى 17% من مجموع الصادرات الأردنية، وهذا مؤشر واضح على الزيادة المضطردة في هذه الصناعة الحيوية، وعلى ضرورة النظر إلى آليات دعم هذا القطاع من زوايا مختلفة.
هذا وتلعب الصادرات الأردنية دوراً هاماً في تعزيز فرص العمل في البلاد؛ حيث يتطلب زيادة حجم الإنتاج لتلبية الطلب الخارجي توسيع القدرات الإنتاجية، وهذا بدوره يعني زيادة في عدد الوظائف المتاحة. كما يسهم تحسين الفرص الوظيفية في تحسين مستوى المعيشة للمواطنين، مما يعزز الاستقرار الاجتماعي.
من الجدير ذكره أن الحكومة الأردنية تولي اهتماماً كبيراً لتشجيع وتمويل الشركات والصناعات المصدِّرة، وذلك من خلال تقديم التسهيلات والدعم المالي والضريبي. الأمر الذي يعزز قدرة الشركات على التنافس في الأسواق العالمية ويشجع على تطوير منتجات جديدة ومبتكرة. إضافة إلى وجود برامج أخرى تدعم النشاطات التصديرية في المملكة ومنها برنامج USAID للإصلاح الاقتصادي الذي يقدم منحاً ومساعدة تقنية لشركة بيت التصدير لدعم الصادرات الأردنية وترسيخ مكانتها كمزود رئيسي لخدمات التصدير في الأردن.
في الختام، تعد صادرات الأردن خط الحياة لاقتصاد البلاد، حيث توفر استقرارًا ونموًا ومرونة في مواجهة التحديات المتنوعة، وتسهم في تعزيز الاستقرار الاقتصادي وتحفيز التنمية المستدامة. ورغم التحديات الجيوسياسية والاقتصادية التي تواجه قطاع التصدير، إلا أن مبادرات الحكومة، جنبًا إلى جنب مع التركيز على الابتكار والتكنولوجيا، تضع الأردن في موقع متقدم لتحقيق النجاح المستمر على المستوى العالمي. ومع استمرار البلاد في التنقل في تعقيدات السوق الدولية، ستظل قوة قطاع التصدير حاسمة في تشكيل المسار الاقتصادي للأردن في السنوات القادمة.