الأنباط -
ربما ليس وحده القرآن من يفعل ذلك ، ولكن الحياة مع القرآن مختلفة تماما ، هي صبغة الله ، هي الحجة البالغة ، هي إن لا تتبع ما ألفيت عليه أباءك ، هي إن لا تكون ناعقا بما لا تعقل مرددا ذلك الصوت وذلك المعنى الذي لا يغني ، هي البر الذي لا يكتفي بأن تولي وجهك لهذه القبلة أو تلك ، ولكنه الإيمان المطلق وإيتاء المال على حبه ، والوفاء بالعهد ، والصبر على العمل والجهاد والقضاء والقدر ، هي أن لا تفسد في الأرض ولا تتخذ أيات الله هزوا .
في الحقيقة وكما يقول الكاتب مهاب عثمان في كتابه الإجابة القرآنية بإقتباس من توماس الاكويني " خذ حذرك من رجل الكتاب الواحد ، لأنه ببساطة لن يكون رجلا سهلا على الإطلاق ، هذا رجل أفنى حياته في قراءة تفاصيل هذا الكتاب وأتقن كل معارفه كما كان يقول ( يلني ) "علينا أن نقرأ كثيرا في كتب قليلة ".
وأنا أطالع هذا لكتاب قفز إلى ذهني رجلان إبن عاشور وعبد الحميد الفراهي ، طبعا تاريخنا مليء بالقصص أبو هريرة والحديث النبوي ، إبن عباس والقرآن ، والبخاري ومسلم وغيرهم الكثير ممن صرف كل إنتباهه إلى موضوع واحد وأعطى هذا الموضوع كل إهتمامه فكان الإبداع .
وقفت عند قصة الرجلين انهما استطاعا أن يقولا ما زال هناك الكثير ينتظر محمد إبن عاشور وعبد الحميد الفراهي هما من المحدثين ، الأول لو لم يكن له إلا ذلك التفسير التحرير والتنوير لكفاه وهو يغني عن غيره ، وكيف إستطاع رجل يعتبر محدث أن يقول كلمة وتبقى هذه الكلمة مسموعة ، لا بل ما زالت ترقى وترتفع، وتجد لها مكان وكيف لا وقد وضع فيها الرجل علما وعقلا ودينا .
وعبدالحميد الفراهي ذلك الهندي من أصل عربي المعزول في قرية عن العربية وأهلها، ولكنه لم يكن معزولا عن علومها ، وشغفه بها كان لحرصه على فهم كتاب الله ومقاصد كلماته وأوجه الترابط بينها ، ولماذا جاءت هذه الكلمة هنا ، وهذه القصة هنا ، وما هو وجه الشبه بينهما، وذلك المعنى البعيد الذي يربط بين آيات السورة الواحدة ، وهل هناك نظم لها وعامود تلتقي عليه ، وهل نستطيع تقسيم السور حسب مكانها، فهذا المكان توقيفي مقصود لذاته ، ولن اكفيه حقه بكلمات قليلة.
هل هناك المزيد في الحياة ما زال ينتظر ؟
اتريد كما في القصة المشهورة عن تلك العقول المهدورة التي يسلمها أصحابها لم تستخدم ، أن تسلم هذا العقل جديدا، إلا تريد أن تقدح فيه شرارة، أن تتعبه قليلا، أن ترهقه بفكرة، بقراءة، ببحث في التاريخ ، أو في الحياة أو في الإجتماع، أو حتى في السياسة .
هناك المزيد حتما ينتظر فهذه الحياة ما زالت تحتفظ بالكثير من أسرارها.
هناك علم واحد نعم قد يرتقى بك ، ولكن هناك علوم قد تقف بك دون المطلوب وتعلق فيها ، وأنت تحاول البحث لتصل إلى حقيقة وراء ذلك السراب ، لا تخلو علوم من فائدة ، ولكن هذه الفائدة هل ترتقي إلى ذلك المستوى الذي تحقق للإنسان ما يصبو إليه ، من إنسجام بين عقله وقلبه والواقع الذي يعيش فيه ، وتعطيه تلك الإجابات التي يبحث عنها ، وتجعل لحياته معنى .
هل عرفت ماذا يفعل القرآن عندما تعطيه كلك إنه يغيرك كلك ويجعل منك شخصا أخر أنسانا مختلفا تماما عن ذاك الذي فقط يقرأ القرآن .
علينا أن نحاول أن نكون جماعة الكتاب الواحد في هذا الشهر وما يتصل به .