الأنباط -
يقول إيمانويل تود الذي توقع سقوط الإتحاد السوفياتي وسقط بعدها بثلاث سنوات أن سقوط للولايات المتحدة سيكون قريبا جدا، والسبب هو نفس المشكلة التعليمية والتوازن الديموغرافي في عدد السكان ، إن إنخفاض عدد السكان يؤدي إلى تراجع الدولة وقلة ومحدودية إمكانياتها ، وأنخفاض مستوى التعليم يؤدي إلى نتائج كارثية على مستوى الأمة ولذلك تسعى الولايات المتحدة إلى فتح باب الهجرة عن طريق القرعة من أجل تعويض هذا الفاقد ، وتحاول ان تطيل أمد وجودها ، برغم انخفاض الناتج القومي وارتفاع الدين إلى مستويات قياسية .
يجب إستغلال نقاط ضعف العدو ودراستها جيدا ، فإستراتيجة فهم السيناريوهات والتحكم بها ، يبدو أنها ليس من ضمن إهتمامات العالم الإسلامي اليوم ، فنحن ما زلنا هنا نتصرف بعقلية شيخ القبيلة الذي ما أن تدخل بيته حتى تأخذ كل شيء عنده كرم في غير أهله ، ولكن الغرب لا يتعامل مع غيره وفق هذه النظرية .
بل وفق نظرية شيء مقابل شيء ، وخدمة مقابل خدمة ، ومصلحة مقابل مصلحة ، فالعالم الإسلامي يقدم أمواله على طبق من ذهب لتوضع في البنوك الإمريكية ونشترى سنداته التي خسرت أكثر من مرة ، وندعم مشاريعه الفاشلة ، لا بل نمنح شركاته إمتيازا كبيرا على غيرها في العطاءات والأعمال وغيره الكثير .
لم نفكر يوم لا بالقوة الناعمة ولا بأكثر منها أن نفاوض ونطالب ونرفع سقف تحصيلنا لمصالحنا ، حتى أصبح اليوم ينظر الغرب إلينا على أننا تحصيل حاصل ، وقوم بلا رأي أو حمية أو موقف .
يقول ريتشارد كلارك في كتابه ضد كل الأعداء الذي ألفه بعد الحادي عشر من سبتمبر ، ذلك البدوي المتخلف إستطاع أن يظهر ضعفنا وإنهيارنا وهشاشتا وقابليتنا للإنكسار .
هذا هي نظرته للعالم العربي ، وليس هذا محصورا بتلك الفئة التي قامت بالفعل الذي أستفزه ، وهنا يحضرني بقوة كيف أن المجرم منهم هو مجرم بذاته ، وأن المجرم منا هو إرهابي من مجموعة إرهابيين ، بصرف النظر عن فكره وموقعه وفعله ، فهو ينتمي إلى إمة هي كلها إرهابيون .
النظرة الدونية تصبغ كل شيء بصبغتها الماضي والحاضر والمستقبل ، فلا قوة في المقاومة وتبقى المقاومة هي مقاومة منكافة وأخذ ورد ، ولا عدة ولا عتاد ولا قادة على قدر الحدث ، عندها لن تستطيع أن تخرج بموقف ولا فكرة ولا مشروع للنهوض لأنك مهزوم على كل الأصعدة .
وربما هذا ما اخافهم حتى الموت ، من الموقف الإخير الذي قامت به المقاومة ، وهو قلب الحالة النفسية من الإنهزامية إلى المبادرة والتحرك والأخذ بزمام الأمور برغم قلة الموارد والحصار فكان الإنتصار في هذه المعركة حليف المقاومة ، من ناحية الإعداد والنتائج وحتى من الناحية النفسية إستطاعت المقاومة أن تعامل هذا العدو بأخلاق الإسلام وتكون لها اليد العليا في الفعل والإنفعال للحدث .
وربما هذا ما يفسر صمتهم المريب على كل ذلك القتل الذي يحدث في غزة للأطفال والنساء والمرضى والعجزة ، والصمت على قصف المستشفيات والمدراس ودور العبادة ومنها الكنائس التي تعود للشرق فهؤلاء مسيحيوا الشرق ايضا وليس للغرب .
نعود للتفاوض ماذا لو كانوا يريدون القميص فقط ولكنهم أعطوهم القميص والبنطال والجاكيت كما قال رالف بانش الوسيط الدولي لرئيس الوزراء العربي وهو توفيق ابو الهدى للأسف، الذي طلبه اليهود بالإسم لعقد إتفاق الهدنة .
ماذا لو أعطيتهم كل شيء ولم تفاوض حتى على أدنى الحقوق كما فعل حاكم عربي آخر ،ما دفع كسنجر ليقول عنه هذا مهرج وليس رئيسا .
ماذا لو كان سليمان عليه السلام قد مات منذ أمد طويل ولكن المنسأة ما زالت تحمل جسده ، وإجساد الأنبياء لا يأكلوها الدود فبقي الجسد جالسا على عرشه إلى أن أكلت الدودة عصاه فخرّ من على كرسيه ، وعندها تبينت الجنّ أن لو كانوا يعلمون الغيب ما لبثوا في العذاب المهين .
للهزيمة أسباب نفسية وإستعداد وعدد وقادة ، عندما تفشل كل هذه تحدث الهزيمة .
العدو ما زال من هول الصدمة يتصرف وفق الأرض المحروقة وضرب المقاومة من خلال ضرب الأهداف المدنية والنساء والأطفال .
ربما كان هذا خطاؤنا منذ البداية كما يقول الباحث محمد المختار الشنقيطي ، لأنك لن تستطيع ان تنتصر على المحتل او المستعمر إلا بحرب عصابات ، ولذلك خسرنا معه الأرض ، ومعظم الحروب التي خضناها معه سابقا ، وها هو اليوم يخسر في حرب العصابات ضد فئة قليلة .
قال غاندي مرة لا بد من أن تترك كل نوافذك مفتوحة ، وهذل يعني لا بد أن تكون جاهزا لكل الخيارات ، فلا تدري أي خيار قد يكون فيه المخرج من الوضع الذي أنت فيه .
العالم يتغير بسرعة كبيرة ونقاط القوة والضعف تتحكم فيها الكثير من الأمور ، فنحن نرى دولة مثل قطر إستطاعت برغم قلة المساحة وعدد السكان ان تفرض نفسها إعلاميا من خلال قناة الجزيرة ، وهناك نمور أسيا وغيرهم .
نعم دائما هناك مجال لأن تضع نفسك على خريطة التفاوض وتملك القوة ، وما حدث في غزة يعطي صورة واضحة عن الإرادة والإستعداد والتخطيط وما يستطيع كل ذلك أن يحققه ، فكيف إذا كانت دول حتى لو صغيرة أو محدودة الموارد ، وارادت أن تسعى لإمتلاك القوة التفاوضية أو تغيير قدرها ، أنا مؤمن أنها تستطيع .
لكن الطبيعة الشخصية الأمريكية وطريقة تعاطيها مع الأحداث الداخلية والخارجية تمتاز ببساطة كبيرة جدا ومؤسسية عميقة جدا ، وهذا مؤشر خطير أيضا ، والأنحياز الأمريكي ضد مصالح الأمة يضع الكثير من علامات السؤال .
العالم الإسلامي يملك الكثير من وسائل الضغط والتفاوض والقوة ، ولكنه للأسف لا يضع خطط ولا سناريوهات ولا القوة الناعمة ، ولا السياسة ، ولا المال ، ولا الإعلام ، ولا التحالفات في خدمة مصالحه ومصالح أمته .
ولذلك هو ما زال يقدم مع القميص البنطال والجاكيت إلى أن يحدث الوعي المطلوب ويلتفت القادة إلى مصالح الامة والشعوب .
مع الشكر للسيد محمود جبريل على جملة من الأفكار في هذه المقالة.