الأنباط -
بقلم كريستين حنا نصر
تشكل المرأة ركيزة أساسية في بنية المجتمعات الانسانية سواء من الناحية الاحصائية إذ أنها تمثل تقريبا نصف سكان العالم أو الوظيفية الانتاجية وهناك تفاوت في نسبة مشاركتها حيث تزداد في القطاع الزراعي والتعليم والصناعة وتنخفض بنسب متفاوتة في مجالات اخرى، فحسب رسالة مديرة اليونسكو في اليوم الدولي للمرأة لعام 2023م، فان مشاركة المراة في مجال العمل التكنولوجي نسبته 20% وفي مجال الذكاء الصناعي حوالي 12%، وبالقياس على ذلك نستنتج بأن الدور الانتاجي للمرأة، ما يزال محصوراً في الفعاليات التقليدية، وهنا تزيد الحاجة لتمكينها في المجتمعات وتعزيز دورها فيما يسمى (العمل متعدد الأطراف)، وهو سبيل للاعتراف بالدور الذي تؤدية في مجال حقوق الانسان والتنمية المستدامة والنشاط السياسي والاقتصادي.
ان خصوصية النظام الاجتماعي في الشرق الاوسط وتتبع لتاريخه الاجتماعي، يظهر بأن المرأة مرت في تطور مرحلي وظيفي، فاضافة الى مكانتها الاسرية كأم وأخت وزوجة يناط بها واجبات محددة تقليدية تتعلق بتربية الأطفال والإعتناء بالثروة الحيوانية، الا أن ذلك لم يمنع من دورها في تجسيد مقولة ( وراء كل رجل ناجح أمرأة مؤثرة)، على ان يتم تجاوز التحديات التي تقف عقبة في تنمية أدوار المرأة، ففي المجال الاقتصادي يكمن الحل من خلال تحسين وضعها الاقتصادي وتمكينها من موارد مالية جديدة، والعمل على اعادة النظر في القوانين المعنية بالمرأة، بما في ذلك القوانين المتعلقة بمشاركتها الاقتصادية، بالأخص الأسس الناظمة للمؤسسات والصناديق المعنية بدعم المرأة المستثمرة في المشاريع الانتاجية الصغيرة، وفي المجال الاجتماعي هناك حاجة لدراسة الثغرات المتصلة بحقوقها بعد الطلاق وضمان حصولها على ما يمكنها من حياة كريمة، ونتميز في الاردن بوجود تطور مرتبط بذلك من خلال تخصيص مراكز ومؤسسات معنية بحماية الاسرة والمرأة المعنفة، وفي المجال السياسي حظيت المرأة الاردنية وعلى مستوى دولي بمكانة متميزة سباقة مقارنة بدول عربية أخرى بالشرق الاوسط، تجسدت في حصولها على وظائف متقدمة في الحكومة مثلا كانت معالي السيدة انعام المفتي أول وزيرة أردنية عام 1979م، ومعالي السيدة ليلى عبد الحميد شرف أول امراة في مجلس الأعيان الأردني عام 1989م، وبخصوص المشاركة النيابية فقد مهدت الدولة الاردنية لذلك من خلال تشريعات عصرية سبقت الكثير من الدول اذ حصلت المرأة الاردنية على حق الترشيح والتصويت عام 1974 ودخلت البرلمان عام 1989م، ولضمان حصولها على مقاعد نيابية تم اقرار نظام الكوتا عام 2003م، والذي بالرغم من بعض المآخذ عليه الا انه ساهم بشكل أو باخر من تعزيز مشاركة المرأة، وتغيير جذري في ذهنية وثقافة المجتمع بخصوص قبولها في ادوار اجتماعية أخرى غير تقليدية .
واليوم ونحن نمضي في مسيرة النماء والتطور في المئوية الثانية للدولة الاردنية فلابد من الاشادة بالمرأة والاعتراف بدورها التنموي على امتداد مساحات الوطن، فقد ساهمت بانجاح اداء القطاع الحكومي والخاص حيث تشغل الكثير من الوظائف فيها، اضافة الى زيادة انتاجية القطاع الزراعي والتربوي والتعليمي والاقتصادي وغيره مما انعكس على الناتج القومي وايرادات الدولة، ولا يمكن انكار تميزها في الاعلام فهي رائدة في هذا المجال ايضاً، ونحن اليوم نتطلع بان يكون الاعتناء بالمرأة بعيداً عن تذكرها في مناسبات محددة فقط تتصل بيوم المرأة العالمي مثلاً، والأجدر أن تكون الاجندة والاستراتيجية والخطط التنموية الوطنية بمشاركة المرأة سواء شراكتها بإعدادها أو توجيه بنودها نحو المرأة الاردنية.
وما تزال المرأة الأردنية وبما تمتلكه من معارف ومهارات علمية ومهنية تستطيع تقديم الكثير لوطنها، ولكن السؤال المشروع هو متى ستتاح لها جميع الخيارات والفرص المستحقة لتبقى السباقة والمتميزة على مستوى الشرق الأوسط ؟.