الأنباط -
سعيد الصالحي
عندما كنت طفلا صغيرا أدرس في مدارس وكالة الغوث كنت دائما استغرب من ذلك العلم الأزرق الذي تتوسطه كرة أرضية بيضاء محاطة بزوج من الأغصان أو السنابل لا أعرف على وجه التحديد، كنا نقف في ساحة المدرسة ولا نسمع نشيدا للعلم، والآن فهمت لماذا ليس لهذا العلم أي نشيد؟ فهذا علم نكبتنا الذي يستحق طقوسا كطقوس عاشوراء، نشبعه فيها لطما ونحيبا وبكاءا.
عندما جاء الصهاينة الأوائل في العام 1878 وأسسوا أولى مستوطناتهم في بلادنا وغرزوا أول خناجرهم في ظهرنا، لم نكن نفهم لغتهم وبأنهم قد سموها بوابة الأمل أو فتحة الأمل ولم نكن ندرك حينها أننا سنخرج من هذه الفتحة أو هذه البوابة بلا أمل نحو الشتات ونحو أول مخيم لنا بالقرب من نابلس "مخيم عين بيت الماء" الذي يعلوه علم الاونروا بدلا من علم فلسطين في قلب فلسطين.
وفي أدبيات الاونروا المنشورة في موقعهم الرسمي تقول " تعد الأونروا فريدة من حيث التزامها الطويل الأجل لمجموعة واحدة من اللاجئين. وقد ساهمت في رفاه أربعة أجيال من لاجئي فلسطين وفي تحقيق تنميتهم البشرية."
واستوقفتني كلمة "رفاه" وبما أنني قد درست في مدارسهم وأخذت مطاعيم الكوليرا والتفويد في حكمتهم فأنني قد تذوقت هذه الرفاهية منذ طفولتي، فقد كان كرت المؤن يتيح لي السفر حول العالم بدون تأشيرة، وكان يفتح أمامي ملاعب الجولف الخضراء بدلا من ممارسة كرة القدم في زقاق المخيم، وبواسطته أمتلك جدي "نصف نمرة" أي قطعة أرض مساحتها خمسين مترا مربعا في المخيم ليبني فيها قصرا وحديقة وحمام سباحة، لم أستطع ان استوعب كم الرفاهية التي وجدتها كلاجىء.
على ما يبدو أن الانروا ما زالت تظن أن هذه المخيمات للنزهة ولقضاء وقت ممتع ومؤقت خارج الديار لعشرات السنوات، فالاونروا تقدم لهذا اللاجىء الذي فقد بلاده الخدمات الأساسية له من مأكل وتعليم وخيمة، فهل هذه هي الرفاهية والتنمية؟
في ذكرى النكبة يجب أن نعدد ونستذكر النكبات المتتالية التي سقطت على رؤوسنا منذ المستوطنة الأولى وما زالت تتساقط علينا من توسيع للاستيطان، واستباحة للمقدسات، واغتيال واعتقال وارهاب للفلسطيني، وعلى الرغم من كل نكباتنا فإنها لن تنال منا ولن تغلب إيماننا بحق عودتنا، فما زلنا نتوارث مفاتيح بيوتنا التي هدمها الغاصب وسنحتفظ بالعلم الأزرق لنهديه لهم عندما نخرجهم من ذات الفتحة ونعيدهم إلى شتاتهم الذي هو وطنهم الذي وعدوا به.
وأتمنى أن تتحقق مخاوف يهود باراك وأن تكون هذه الذكرى هي آخر ذكرى للنكبة ولتبدأ أعياد النصر والعودة.