الأنباط -
تُحيي جمهورية أذربيجان الشقيقة على مستوى الدولة، في الحادي والثلاثين من آذار الحالي، "يوم الإبادة الجماعية للأذربيجانيين"، التي أبكت العَالم برمته إثر ارتكابها الفاضح سنة 1918، على أيدي القوميين المتطرفين الأرمينيين، ففي 31 مارس من كل عام يستذكر الشعب الأذري مأساة الإبادة الجماعية التي يَعتبرها العالم المُتمدن واحدة من أفظع المآسي في تاريخه وصفحات أذربيجان والقوقاز بشتى أعراقه.
كميسحية ملتزمة أستنكر قتل الإنسان، أي إنسان، وبخاصة عندما تكون الجريمة لا إصلاح لها بأي حال من الأحوال، كارتكاب خطيئة القتل العَمد بالإصرار والترصد، والتي تحمل دمغة الخطيئة المُمِيتة التي لا غُفران ربانياً لها كما في تعاليم ديننا المسيحي، فالسيد المسيح عليه السلام يقول بفمٍ ملآن: لقد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تقتل ومَن قَتل يكون مُستوجب الحُكم (متى 5-21).. وهكذا كان بالضبط، عندما استوجب تطبيق حُكم السماء على القاتل الأرميني ليُستعاد الحق مقابل المقتول الأذربيجاني.
باختصار، إن مَن شره بممارسة هذا القتل بحق الأذربيجانين قبل قرن واحد وأربع سنين بالتمام والكمال، وكان مسيحياً، إنما ارتكب الفِعل الشيطاني الذي تَعتبره التعاليم المسيحية؛ أيّاً كانت طائفة وقومية ولغة القاتل "المسيحي"؛ من أشياع جهنم وأحد مواطنيها في عميق لهيبها إلى الأبد دون مغفرة ربانيَّة، إذ قد انتهى دوره على الكرة الأرضية، وطُرد من سماء الله العلي العظيم التي لا تدعو لجِنانِها سوى الأخيار، والأحرار، والأسوياء أصحاب الكلمة روحاً وعقلاً وفكراً وممارسةً. وفي الحقيقة التي لا لُبس فيها ولا نقاش والتي تنعكس في جميع الكتب المقدسة والأديان التي ترى في الحياة الروحية أبدية زَاهرة ومُزهرة ومزدَهِرة، أن قتل شخص خلقه الله هو فعلٌ جُرمي خطير وبشع بل أبشع البشاعات، وفي الإسلام مَن قتل شخصاً كما لو أنه قتل البشرية بأكملها، وإعاشة شخص هو ثواب مثل إعاشة البشرية كلها. ولذلك، فإن وقائع الإبادة الجماعية التي ارتكبت على أساس الانتماء القومي والعِرقي والديني في تاريخ العَالم تبقى دون أي مِمْحَاةٍ "نقاطاً سوداء سواد جهنم" في ذاكرة وعقل البشرية الجَمعي ودمها، وتُعتبر من الكبائر على الإنسانية والتي لا مَغفرة عنها، وهو لعمري مأساة تعرَّض إليها شعب أذربيجان أمام سمع وبصر كل الدنيا، ويُعتبر الشعب الأذربيجاني واحداً من الشعوب المُعرضة بتواصل لجرائم الإبادة الجماعية المأساوية من طرف أرمينيا ومتطرفيها، وهو ما يَستدعي من منظمة الأمم المتحدة والمجتمع الدولي والمسيحيين والمسلمين العقلاء وهيئاتهم، وضع حد لإرهاب الدولة الأرمينية، ولزوم استدعائه لكرسي العدالة أمام سمع وبصر ساكني كل المَعمورة.
وتجدر الإشارة إلى أن التاريخ الأذربيجاني عاين مراحل أليمة وموجعة مفعمة بالمآسي والأحداث الدموية الناتجة عن سياسة التطهير العرقي والإبادة الجماعية والعدوان التي نفذها القوميون المتشددون من الأرمن ضد شعبنا خلال القرنين الأخيرين. والهدف الرئيسي لهذه السياسة القومية المتشددة كان تشريد الأذربيجانيين من ديارهم التاريخية وإنشاء ما يزعمه الأرمن – دولة "أرمينيا الكبرى” على الأراضي الأذربيجانية القديمة. والأدلة التاريخية تثبت أن عملية نزوح عدد كبير من الأرمن من إيران وتركيا وتوطينهم في منطقة "قره باغ الجبلية" الأذربيجانية ذات الأهمية الإستراتيجية الكبيرة بدأت في أوائل القرن التاسع عشر، وخلال أعوام سابقة من إبرام معاهدة تركمانتشاي، تمكن الأرمن وبرعاية روسيا القيصرية من الاستيطان في الأنحاء المتعددة لأذربيجان، بما فيها منطقة "قره باغ الجبلية".
إن سياسة الاستيطان والتهجير التي كانت جزءا لا يتجزأ من السياسة الاستعمارية لروسيا القيصرية استمرت على مدى القرن التاسع عشر أيضاً، بالتالي أدّت إلى تغيير التركيبة الديموغرافية في المنطقة، وزيادة أعداد الأرمن بتوطينهم في هذه المنطقة، مما أسفر عن تلاحق مزاعمهم الإقليمية بأراضي أذربيجان، ما أفضى كذلك منذ أوائل القرن العشرين إلى محاولات لتوسعهم الإقليمي.
لقد شكلت عمليات التوطين التي قام بها الأرمن في ذلك الحين بداية حملات الإبادة الجماعية ضد الشعب الأذربيجاني حيث عملت بعض الدول الكبرى على مساعدة الأرمن وتقديم كافة أنواع الدعم والمساندة لهم. ونتيجة لهذا الدعم عمد الأرمن إلى تهجير الأذربيجانيين وإجبارهم على ترك ديارهم بعمليات القتل والنهب والتدمير والترهيب، ما أفضى بالقوميين المتعصبين الأرمن إلى مزيد من هلوسات إقامة "أرمينيا الكبرى" بالقوة.
كما احتلت أرمينيا التي اتبعت سياسة عدوانية في أواخر الثمانينيات وأوائل التسعينيات الماضيات 20 بالمئة من الأرض الأذرية المعترف دولياً بسيادة حكومة أذربيجان عليها، وهي "قره باغ الجبلية"، وسبع مناطق مجاورة لها، وطردت أزيد من مليون أذربيجاني من أطيانهم وأملاكهم لا سيما فظائع القوات المسلحة الأرمينية في خوجالي وأغدابان ودشالتي في عام 1992. كما شنت أجهزة الجيش الأرميني ليلة 25-26 فبراير 1992 هجوماً مسلحاً مفاجئاً على مدينة خوجالي وارتكبت فيها مجزرة بحق المدنيين والعزل لم يسبق لها مثيلٌ في التاريخ، ذهب ضحيتها مئات العجائز والأطفال والنساء الحوامل اللواتي بُقرت بطونهن بسكاكين العسكريين الأرمن، وهي بشاعات موثقة في "الأُمم المتحدة" والمنظمات الدولية والإنسانية، واستنكرتها منظمة المؤتمر الإسلامي بشدة، ناهيكم عن اختطاف المواطنين الأذربيين وأسر الكثيرين وتعرضهم للتعذيب على شاكلة العذابات التي تعرض إليها أسرى مخيمات الموت النازية الألمانية إبان حكم أدولف هتلر شيكل غروبر المقبور.
ما زالت الاعتداءات تتواصل بين حين وآخر على أرض وشعب أذربيجان، ما يستدعي تدخلاً مباشراً من طرف المنظمات الدولية لوقفها، ولصالح تعظيم مكانة هِبة الحياة الإنسانية المقدسة ومحبة الله لها بعينه الرؤوم لحفظ الشعب الأذري بكل مكوناته العرقية والدينية، ولذلك نتطلع بعين الثقة والتأييد للدبلوماسية الحاذقة والسياسة الحكيمةالتي يتَّبعِها الرئيس الأذربيجاني الشقيق والقائد الأعلى للقوات المسلحة إلهام علييف في اتخاذ إجراءات حماية الإنسان والأرض والعرض في وطنه وبالتالي نشر آلياتها في جواره الجيوسياسي كمثال نضالي وروحي يُحتذى، ولجهة تنفيذ متطلبات القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي المختلفة أرقام 822 و853 و874 و884 ولتذليل العقبات أمام استعادة وحدة الأرض الأذرية.