الأنباط -
من منا نحن العرب لا يعشق الحصان على اختلاف ألوانه؛ هذا الكائن المعقود في نواصيه الخير إلى يوم القيامة
وفي العزة و رفعة المكانة قال فيها المتنبي:
أعز مكان في الدنيا سرج سابح وخير جليس في الزمان كتاب
وكما قال في فروسيته و صولاته في الحروب مادحا نفسه بهذه الخيل:
الخيل والليل والبيداء تعرفني والسيف والرمح والقرطاس والقلم
تغنى الكثيرون في الخيل؛ ففي الخيل عزّه لا يستطيع الإنسان أن يفهمها، إنها تحزن ولا تبوح، وتتألم ولا تنكسر.. لذلك نحن قوم نتفاخر بهذه الخيل حتي في أخلاقنا؛ فهي تعكس مكارم الأخلاق و أعلاها الصدق و الكرم و الشهامة هي رمزحضارتنا العربية و الإسلامية .. فيها خص الله - له العزة و الجلال- سورة على اسمها العاديات " و العاديات ضبحا فالموريات قدحا فالمغيرات قدحا فوسطن به جمعا.." مشهد حربي غاية في الوصف الجمالي لهذه الخيل التي تعدو وقت الصباح مباغتة العدو في غزوها .. يُسمَع صوت أنفاسها إذا عدت .. مخرجة الشرر من حوافرها ..
في عشق الحصان دلالات عديدة لن يعرفها أي أحد إلا من رعاها و قدرها وفهم دورها على مرّ الزمن.. فقط من يعرف تاريخها في حضارتنا العربية و لماذا أطلقوا عليها اسم الجواد ..
أجد في الخيل صورة لمجدنا و موروثنا الحضاري و الأخلاقي و الثقافي .. في الخيل طلب إلينا أن نتعلم الفروسية ( ركوب الخيل) لأن فيها تهذيب ليس للفرس بل فارسها فذهبت مثلا " الفرس من خيّالها" أي أن جودة الفرس و أصالتها من أصالة فارسها ...
هل باتت كل هذه المكارم جزءا من الماضي ....؟
سيبقى الخير في أمتنا شريطة أن لا نترك الحصان وحيدا !! الحصان هو أخلاقنا و موروثنا الحضاري المفعم بالقيم .. قد لا نحتاج إلى الخيل في حياتنا المدنية؛ لكن نفوسنا هي الخيل التي يجب أن تروّض وأن نستدعي ما في تلك الخيل الحقيقية من صفات : الكرامة و الأصالة و الشجاعة و الكبرياء لتسكننا .. حينها لن نترك الحصان وحيدا؛ بل سنسارع بطبائعه بخفة و رشاقة و زهو بين الأمم..فقط عندما نجد ما فقدناه من أخلاق خلال لهاثنا وراء التحضّر..