الأنباط -
صحيفة الأنباط
منذ أكثر من مئة عام تداعى المُنظرون في العلاقات الدولية محاولين البحث عن إجابةٍ لسؤالين كبيرين الأول كيف للدول أن تُوّقف الحروب فيما بينها والثاني كيف للسلم الدولي أن يتحقق، على أعتاب هذين السؤالين تداعت الكثير من النظريات وأخذت تكبر وتتدحرج كما كرة الثلج بحثت عن أجاباتٍ نموذجية.
كيف للدول أن تحفظ أمنها وتعززه سؤالٌ بدأت دول المنطقة تجهد باحثةً عن إجابته في ظل تعاظم أزماتها البينية، حيث أصبحت بعد عام 2011 عام الربيع العربي ساحةٌ لتقاسم النفوذ والحروب بالوكالة، وأصبحت رهينة ما يُعرف في حقل العلاقات الدولية "معضلة الأمن Security Dilemma" فباتت الدول تنشغل في البحث عما يضمن أمنها، الأمر الذي أدى إلى تراجع الاهتمام بالقضية الفلسطينية التي لطالما كانت حجر الزاوية لأمن المنطقة على مر العقود فلم تعد كثير من دول المنطقة بما فيها دول عربية تنظر إلى ملفات القضية الفلسطينية بوصفها ذات صلة بأمنها واستقرارها خاصة مع موجة التقارب الاقتصادي والسياسي الذي تقيمه دول المنطقة مع إسرائيل والمتمثل بالإتفاقات والمعاهدات مع الجانب الإسرائيلي والذي من شأنه الترويج لفرضيةٍ مفادها أن إسرائيل جزءٌ من أمن المنطقة لا خطراً عليه، وهو ما يعني فصل القضية الفلسطينية عن عمقها العربي وتغييب تأثيرها السياسي الغائب فعلياً إلا من حالات الاستقطاب وتوظيف القضية الفلسطينية في صراعات المحاور.
إن عدم الاهتمام بالقضية الفلسطينية وعدم وجود ما يربطها بأمن المنطقة أضر بملفاتها واتاح الفرصة لإسرائيل للإمعان في سياساتها التصفوية للقضية الفلسطينية، ومن يتحمل المسؤولية في هذا الجانب طرفان أساسيان الأول القيادات الفلسطينية وحالة التراجع في الاداء النضالي والسياسي الذي عهدناه طيلة عقود خلت حيث كانت القضية الفلسطينية دائماً حاضرة في المنابر الإقليمية والدولية نتيجة وجود ضغطٍ شعبي وسياسي مصاحبٍ له يجعل القضية الفلسطينية في حالة من الاستمرارية على عكس ما نراه اليوم من تفتيتٍ للتطورات واجتزائها الأمر الذي يفقدها الزخم والاستدامة والسبب في ذلك هو الانقسام الفلسطيني وتوظيفه الإقليمي.
الطرف الثاني هو القوى الإقليمية التي سخرت القضية الفلسطينية لخدمة مصالحها وصراعاتها، فتماهت في مواقفها لكن لتحقيق موجبات أمنها واستقرارها فأصبحنا نشهد تعاوناً اقتصادياً وعسكرياً ومزيداً من الاستقطاب، لخلق توازنات قوى تظهر اسرائيل طرفاً فيها لكن في غير سياق القضية الفلسطينية.
إن استعادة القضية الفلسطينية يتطلب إعادة تموضعها في المنطقة بحيث تصبح عنصراً من عناصر أمنها، وهذا يستدعي جهوداً سياسية وشعبية فلسطينية بالدرجة الأولى تعمل على خلط الأوراق وإعادة توجيه بوصلة المنطقة تجاه فرضية مفادها أن حل القضية الفلسطينية هو أساس استقرار المنطقة، وبالدرجة الثانية فإن على دول الطوق أن تدفع بزخمها السياسي والدبلوماسي بإتجاه الفلسطينيين أولاً والمجتمع الدولي ثانياً لإعادة الأمور إلى نصابها وما دون ذلك يعني مزيداً من الاغتراب للقضية الفلسطينية ومزيداً من الاختراق للجانب الإسرائيلي الذي يكسب الوقت ويعمل على تجديد الوقائع والظروف على الأرض العربية وليس الفلسطينية فقط.